الثلاثاء، 9 يونيو 2015

الثقافة عندما نختصرها في حدث

رؤية سينمائية
هيثم سليمان
سيناريست سينمائي وتلفزيوني





موضوع اليوم ليس سينمائيا بحتا. هو بلا شك يمت بصلة الى القصة التي هي المصدر الاساسي لكاتب السيناريو السينمائي وعلى نفس القافية سبق وأن قلت ان مصادر القصة كثيرة ومنها الرواية. وهنا اضع نقطة في هذا الربط السريع لا بدأ في الحديث عن الثقافة التي تقدمها القصة أو الرواية للقارئ  الذي يمكن أن يكون كاتب السيناريو أحد قراء هذا الميدان الأدبي في النهاية.

الثقافة , ذلك المخزون المعرفي والسلوكي الذي يكتسبه الانسان من عدة مصادر ومن ضمنها القصة. وعند هذه النقطة استرجع حديثا خضته بالأمس مع " اسماء الرحبي" , احدى الزميلات القارئات النهمات نوعا ما للأدب المقروء وقد كان حديثنا يدور حول مقدار الكم الثقافي المعلوماتي الذي يكتسبه الجيل الحالي من قراءة روايات معاصرة لكتاب عرب – خليجين على وجه الأخص- وهل هذا الكم يقارن بالكم الذي يكتسبه قراء روايات الكتاب القدماء أو أولئك الجدد المحافظين على قالب المحتوى الثقافي الذي سلكه القدماء منهم. ولقد جرنا الحديث الى التساؤل, هل يقرأ الجيل الحالي الكتاب الفلاني لأنه يحب أن يقرأ الكتاب الفلاني اياه أو لأنه يريد أن يستفيد منه. وهذا التساؤل جاء بشكل ممهد على خلفية نقاشنا حول القيمة الثقافية المعرفية التي تقدمها روايات وكتب هذا الزمن. خصوصا وفي وقت أصبح فيه الجيل الحالي يعتبر الرواية المصدر الأول – ولا ابالغ هنا – في الحصول على الثقافة والمعرفة حيث أن القالب الجديد للرواية أسهل ولا يتسم بالزخم المعلوماتي والتفاصيل الكثيرة والدخول في بواطن الأمور. واذا كان هذا الجيل يعتمد على روايات العصر الحديث ذو نمط – الحدث هو الأهم وباقي التفاصيل والمعلومات ليست مهمة –فتلك مصيبة ووبال على مستقبل ثقافة الجيل الحالي وربما الذي يليه ايضا.

في روايات وأعمال لكبار الكتاب القدماء والمعاصرين المحافظين أمثال طه حسين وجبران خليل جبران وأحلام مستغانمي أو عبده الخال , نلاحظ اهتمام هؤلاء الكتاب بتقديم ثقافة مكان وثقافة شعب وثقافة شخصيات في المحتوى القصصي الذي يقدمونه. هم يعرضون الكثير من التفاصيل والدواخل التي تثقف حس ووعي القارئ بل ويتعدونها الى امداده بمعلومات معرفية جغرافية, اجتماعية, نفسية...الخ لم يكن القارئ يعرفها من قبل. اذن هم خرجوا من اطار وصف المشاعر والاحداث او مجرد سرد القصة باللغة السهلة الى هدف أسمى وأهم الا وهو الحرص على تثقيف القارئ العربي .وعلى سبيل المثال, أتذكر ايام دراستي الجامعية انكبابي على قراءة أعمال الكاتب المصري نبيل فاروق ولا أخفيكم سرا أن خمسين بالمئة من ثقافتي الحالية – المتواضعة – هي نتاج لقراءة أعمال هذا الكاتب الفذ حيث أنه يورد حواشيا وهوامشا لتفسير معلومة أو لذكر معلومة. اذن هو يثقف ويسرد في أن واحد.


بينما نلاحظ أن روايات الكتاب المعاصرين الخليجين منهم على وجه الأخص وفي ظل ظاهرة " قصص المنتديات" التي يقوم اصحابها بإنزال أجزاء من روايته كل يوم أو كل فترة زمنية محددة. هذا النوع المعاصر من الأدب المقروء يركز غالبا على تقديم القصة في محتوى سردي يهتم بالحدث. ماذا جرى وكيف جرى وماذا كانت الخاتمة دون أن يهتم كثيرا بتقديم ثقافة معرفية مكانية وسلوكية للقارئ. نفس القارئ الذي اصبح يلتهم الروايات المعاصرة  التهاما لحبه لها أولا وظنا منه أنها مصدر مهم لاكتساب الثقافة ثانيا ,  مبتعدا عن قراءة الكتب الأخرى – الغير روائية - .اصبحنا نعاني مشكلة تتفاقم يوما بعد يوم الا وهي عزوف الشباب العربي القارئ عن مصادر الكتب المعرفية الأخرى وتركيزه على الروايات المعاصرة لاكتساب ثقافة أو لفهم منظور ما في الحياة. وختاما مازلت أكرر نفس التساؤل يا اسماء , هل نحن نقرأ الكتاب لأننا نحب قراءته أم لأننا نود أن نستفيد من قراءته ؟

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

أتحمل مسؤلية ما اضعه هنا