الاثنين، 8 يونيو 2015

مسألة ذائقة (2)

رؤية سينمائية
هيثم سليمان: سيناريست سينمائي وتلفزيوني





نكمل حديثنا حول اختلاف ذائقة المشاهد في تتبع الاعمال السينمائية بعدما سردت بعض الفروقات فيما يتعلق بهذه الذائقة قديما وحديثا قي الجزء الأول من هذا المقال.مثلما كانت هنالك أعمال خالدة لعظماء الفن والعلوم بمختلف مجالاته كالرسم والكتابة والنحت والموسيقى والاختراع.تلك الأعمال التي  لم تلق الفهم الكافي أو التأييد في ما مضى من الزمن نظرا لعدة أسباب, جدتها على الساحة ربما, أو الغرائبية التي تحيطها أو العادات والتقاليد التي حكمت تلك المجتمعات وجعلتها لا تستسيغ أو تستوعب تلك الأعمال بل وتحاربها في أحيان كثيرة.هنالك علماء وفنانين تعرضوا لأخطار محدقة ومنهم من لقي حتفه بسبب ما قدم من أعمال في مرحلة لم يكن الزمان ولا المكان فيها مناسبا لظهورها ولكنها تبقى تلك العملة النادرة أو الميزة التي ميزت هؤلاء عن غيرهم في مجتمعاتهم.وهذا ماحدث ويحدث الأن ايضا بالنسبة للأفلام السينمائية في العصر الحديث.فبين الفترة والاخرى نجد هنالك أفلاما تشذ عن النمط المتبع أو المألوف لدى المشاهد.افلام لم تأتي لترضي ذائقة المشاهد كعمل ترفيهي أو ثقافي فقط.افلام ميزت صُناعها وسجلتهم بين قرناءهم في الفن السابع بأحرف من ذهب وربما بأحرف من سواد فكانوا وصمات واضحة في دفاتر مسيرة السينما في العالم ككل سواءا كانت أفلام الابيض والاسود او الأفلام المتخمة بالألوان في زمننا الحالي.تلك النوعية من الأفلام قد تذهب ماوراء ذلك بكثير بل أكثر مما نتصور لتطرق جوانب كثيرة من حياتنا.قد تتحدث عن مخاوفنا الدفينة التي نخشى مجابهتها أو الافصاح عنها.قد تتحدث عن قيم انسانية مفقودة من خارطة الحياة .قد تدخلنا في عوالم حسية بصرية مبتكرة تجعلنا نرى الأشياء من زوايا مختلفة تماما.قد تطرق وبقوة صادمة تابوهات محرمة لدينا في مجتمعاتنا كالعرف أوالدين , السياسة ,الجنس فيما يسمى فنيا بالثالثوث المحرم.قد تشطح شطحات نحو المستقبل بشكل غير متوقع وغير متداول.هذه النوعية من الأفلام يمكن أن ندرجها وبكل سهولة تحت نوع السينما المستقلة.تلك السينما التي لها متابعوها وعشاقها في مختلف بقاع العالم.تلك السينما التي لاتهتم بالجانب التجاري او الربحي للفيلم السينمائي بوصفه عملا تجاريا يدر أرباحا وانما تأتي لتضع الفيلم في مقامه المفترض والمناسب كونه عملٌ فني رفيع يقدم فكرة ما ورسالة ما تحرص على الوصول الى عقول المشاهدين المتلققين لها ليس الى جيبوهم.هذه النوعية من الأفلام السينمائية تجد الكثيرين من ذوي الذائقة الغير اعتيادية التي نشأت على رؤية الجديد والمختلف مهما كانت اطروحته السينمائية البصرية السمعية.أذكر انني حضرت احد جلسات مشاهدة بعض الافلام القصيرة التي كانت تشكل تحديا كبيرا لعقول من تابعوها من الشباب الحاضرين ومنهم أنا بطبيعة الحال.بعض تلك الأفلام قمة في السوداوية وبعضها الأخر قمة في الشطحات التي قد نضعها في قوس واحد يضم كلمتي الابداع والجنون.حينها بكل شفافية ذكر العديد من الشباب عدم فهمهم لمجريات تلك الافلام كما نوه الكثير منهم بعدم اعجابهم بها البتة.ربما لأنهم تعودوا على المباشر والواضح دون الغوص في رمزيات ولوغاريتميات قصصية أو سلوكية وربما لأن تلك الافلام خلت من طابع الترفيه أو التسلية والاثارة التي غالبا مايبحث عنها الشباب حين مشاهدتهم للسينما.والأمر لايقتصر فقط على متابعة هذا النوع من الأفلام بل وقراءة نصوص سيناريوهاتها أيضا.يصدف كثيرا أن أعطي الفرصة لبعض الأصدقاء من القارئين من الشباب المثقف قراءة بعض سيناريوهات أفلامي القصيرة وسيناريوهات الزملاء الكتاب ثم أترقب ردة فعلهم ومستوى فهمهم لقصة الفيلم,الرسالة والمغزى...الخ فأجد أكثرهم لا يميلون الى النص بل ويستغربونه ويستهجنونه أحيانا.ولا نجد حرجا في ذلك.في النهاية هي مسألة ذائقة اليست كذلك؟

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

أتحمل مسؤلية ما اضعه هنا