الثلاثاء، 9 يونيو 2015

سينماتوغرافيا..حديث الصورة وجريمة الحوار

رؤية سينمائية
هيثم سليمان
سيناريست سينمائي وتلفزيوني








لطالما كانت الصورة حاضرة للتعبير عن الشيء واللاشيء أمام أعيننا.نذهب الى معرض الرسم لنشاهد لوحة ونذهب الى متحف الفنون لنشاهد عرضا أو توثيقا بصريا كما نذهب الى السينما لنشاهد فيلما.لنتوقف قليلا مع الكلمة الأخيرة " نشاهد" اي نبصر بأعيننا لا نقرأ بشفاهنا فلم يسبق أن مرت علينا حتى ولو على سبيل الدعابة عبارة " أنا ذاهب لأستمع الى الفيلم الفلاني".

وخلال مسيرة السينما عبر التأريخ لطالما ركز النقاد وكبار الفن السابع على أهمية طغيان وهيمنة الصورة المطروحة على جوانب الابداع في العمل السينمائي تاركة مساحة الهامش للحوار كعنصر مساند لاضفاء الزخرفة الفهمية أو التفسيرية لبعض الجوانب التي قد لاتتمكن الصورة بجلالة هيبتها أن توصلها لكل مستويات وعقول المشاهدين.أولم تكن السينما ولفترة من الزمن سينما صامتة طغت عليها الصورة الحركية واختفى فيها الحوار تماما ؟

انه لمطلب ملح ومهم في طريق الاحتراف أن يركز كاتب السيناريو على ابراز جمالية الصورة التي يقدمها في نصه أكثر من ابراز الحوار الذي يجري على لسان شخصياته في النص نفسه.قد تتحدث الصورة حديثا تعجز جميع الشخصيات في النص عن الاتيان بربعه فقط.ابراز جمالية المشاهد ورسوم الحركة داخل هذه المشاهد بلا شك ركيزة من تلك الركائز التي تجعل من النص قالبا بصريا صالحا لاثارة العواطف والافكار في ذهن المشاهد.وعندما أتحدث عن العواطف والأفكار, أعني هنا مباشرة الجانب الروحي والعقلي لدى المشاهد المتلقي .ذلك الجانب الذي قد يغفل أو يتغافل كاتب السيناريو عن الاهتمام به فيصبح هو ضحية بطلها قالب ٌ بشع من الحوارات الركيكة والامتناسقة مع الصورة والقصة توقع المشاهدد في الضجر وفقدان الانبهار البصري في وقت أتى فيه هذا المشاهد ليشاهد فيلما لا ليقرأ كتابا أو يستمع الى ملقنين.


أنا كمشاهد وعاشق للسينما مثلا, تبهرني الصورة التي يقدمها الفيلم السينمائي الفلاني فتدفعني الى التفكر والـتأمل أكثر فيها وربما الى اختزال وخلق مجموعة أخرى من الصور المرتبطة بالفيلم الذي اشاهد.بل وربما ساعدتني تلك الصورة المبهرة على الربط المباشر بينها وبين صور أخرى من حياتي الخاصة .هذا الربط سيضفي ذلك الانسجام الانساني بين المُشاهد والواقع أو المشُاهد والمفترض مما يحدث الأثر المطلوب في النفس والعقل معا.

أما اذا كنت أشاهد فيلما طغى فيه الحوار وتضاءل دور الصورة فيه فأنني بلا شك سأنفر منه لاسيما وأنني سأشاهد فيلما لا يقل عن ساعة أو ساعة ونصف من الزمن.كثرة الحوار أو الاطالة فيه دون سبب حساس وجوهري بالنص يؤدي الى قتل الصورة وأوجه الابداع فيها.ولاتقتصر هذه الجريمة على الفيلم فقط بل على الكادر الذي يناط به صنع الفيلم.فمن أين سيأتي المخرج بلمساته في الصورة ومن اين سيأتي المصور والمونتير بل وحتى خبير المؤثرات والمكياج بابداعاتهم ولمساتهم فيه اذا ماكات لغة الحوار هي القالب المهيمن على الفيلم ؟


حديث الصورة له وجوده الخاصة, طقوسه الخاصة بل وشاعريته الخاصة التي تعزف ذلك الحراك الجميل في أعين المشاهد لتستفز في عقله عشرات الأسئلة وتعبث بمخيخه وتعصف بوجدانه.انه ذلك الحديث الذي يجعل من السينما ذلك الفن الذي يقل في حديثنا وترهاتنا نحن البشر ليتسع المجال أمام حراك الكون ولغة البصر فينا ومن حولنا.لهذا هي السينما مميزة وتختلف عن المسلسل التلفزيوني أو الاذاعي أو المسرح أوسائر الفنون الأخرى.وعلى كاتب السيناريو تقديس هذه الميزة واعطاءها ما تستحق من التبجيل.وفي النهاية لكل قاعدة شواذ.




ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

أتحمل مسؤلية ما اضعه هنا