السبت، 5 أكتوبر 2019

JOKER فيلم , المدخل المظلم لكتلة من الضوء






J O K ER
المدخل المظلم لكتلة من الضوء 


اسم الفيلم : المهرج - #الجوكر
المدة : ساعتان ودقيقتان
سيناريو :
اخراج : تود فيليبس
بطولة : خواكين فينيكس , زازي بيتس , روبرت دينيرو ,فرانسيس كونوري وأخرون..
انتاج : 2019 – تود فيليبس , برادلي كوبر واخرون
شركات الانتاج المنفذة : دي سي فيلم, فيليج رودشو واخرون..
النوع : دراما , تشويق مقتبس عن شخصية من دي سي كوكيمز
أفلام من ذات الصلة :
Batman Franchise, Suicide Squad

نحن هنا اليوم لا نتحدث عن فيلم عادي. نحن نتحدث عن أحد اقوى الأفلام المنتظرة في السنتين الأخيرتين . نتحدث عن أحد أعقد الشخصيات التي وُجدت في الكتب الهزلية (الكوميكس) وأشد الشخصيات تركيبا في عالم السينما , شخصية ذات تاريخ طويل تقمصها ألمع نجوم هوليود , سيزار روميرو 1966 مرورا بجاك نيكلسون 1989 عطفا على  هيث ليدجر 2008 انتهاء ب خواكين فينيكس 2019.شخصية قد تشكل منعطفا حادا وخطرا في مسيرة اي فنان يوافق على ادائها, شخصية الجوكر, مجرم مدينة غوثام الساخر العدو الأول لباتمان أحد ابطال السلسلة الشهيرة التي تحمل نفس الاسم والتي تربت عليها أجيال, بالتالي نتحدث عن قاعدة جماهيرية كاسحة من اقصى الكوكب إلى اقصى الكوكب.

وقبل أن نبدا في تقشير لب فيلمنا لهذه السنة , ينبغي علينا أن نسال السؤال الذهبي الذي سأله محبو هذه الشخصية , ما الذي سيقدمه متقمص الدور لهذه السنة ؟ من هو الفنان من الأساس ؟ وكانت الاجابة ( خاكوين فينيكس), ولكي تضع عقلك في جسر تهميدي لتقبل تقمص هذا الاخير لهذا الفيلم المعقد بالذات أنصحك بمشاهدة فيلم مهم ساعد على ترشيحه للفوز بهذا الدور وهو فيلم ( أنت لم تكن هناك حقا) انتاج عام 2017 بطولة النجم ذاته والذي يمكنك من رؤية القدرات الفذة في اللعب على الشخصية المركبة ذات الطبقات المتعددة في دوره بذاك الفيلم.

لنبدأ ولأخذك في انطباع يحتوي ثلاثة نقاط رئيس حول فيلم الجوكر الجديد.

أولا :
الجوكر الشخصية والقصة :العلامة البارزة او البراند التسويقي لتركيبة شخصية مثل شخصية الجوكر هي ضحكته الشريرة المحطمة نفسيا والتي تقمصها وابدع فيها مختلف الممثلين عبر العصور. تلك الضحكة التي لا تدري هل ضحكة فرح ام حزن , قوة أم ضعف.  من هنا, وهنا فقط يأخذك الجوكر اليه, يقتنصك دون أن تشعر لتغيب في غياهب جبه لتبدأ في التساؤل, ما هي المعاناة ؟ ما هو السر خلف الضحكة التي تستضيفها كبريات القنوات التلفزيونية ويقلدها الكبار قبل الصغار. وحينما نغوص في القصة الجديدة التي صاغها لنا كاتبي السيناريو تود فيليبس( مخرج الفيلم) و سكوت سيلفر ندرك أننا أمام رجل مصاب بمرض نفسي مع تقرح عصبي جسدي ناتج من الضرب والتعذيب أيام الطفولة, هذا الرجل هو أرثر فيليك والذي يعيش مع أمه ويعتني بها محاولا أن يكون رجلا صالحا في مجتمع متقلب قاس مما يدفعه الى أن يكون شخصا أخر فيما بعد اثناء رحلته الى اكتشاف الحقيقة بشأن هويته وماضيه. وحينما نفصل القصة سنجد أن مخرج الفيلم وكاتبه ابتكرا منفذا جديدا ذو حبكة رائعة في الإتيان بقصة معقدة ذات خطوط درامية تجمع الماضي والحاضر سارت في تناسق رائع مع التركيز على قوة العمق النفسي للشخصية الواحدة التي تدور حولها جميع الأحداث منذ بداية الفيلم وحتى نهايته مرورا بقضايا مجتمعة معاصرة تم اسقطاها على مجتمع فانتازي سوداوي كئيب كمجتمع مدينة غوثام. وبالحديث عن المكان, هذه المرة لم يصطحبنا كاتبا السيناريو الى غوثام المدينة ذات المباني القوطية والشوارع المدمرة الكئيبة والأجواء المظلمة الملتهبة بمزيج الموسيقي ذات الكريشندو التصاعدي - الجو الذي تعودنا عليه في افلام الرجل الوطواط -  وانما ابتدعا نسخة جديدة للمدينة توازي العصر الحالي ,  طرقات وشوارع مدينة نييورك وأنفاقها . لماذا ؟ لأننا نتحدث هنا عن نمو شخصية وعمق شخصية يجب أن نفهم كيف بدأت بالدخول الى عالم الشر لذلك نحن نحتاج الى لمسات واقعية في المكان والزمان, لمسات تجعلك قريبا من الجوكر ومن غوثام ما قبل الجريمة المنظمة ( التي قادها الجوكر لاحقا بنفسه).
وأنت ترى الجوكر يضحك بالفيلم تشعر بالرغبة في الضحك لحد المعاناة, تبصر أمامك ارثر بداخل الجوكر القادم, الوحشية المطلقة التي أطلقها الخير ذاته.

وكنوع من الكسر والتشويق في القصة, نفاجأ باحتمالية أن يكون توماس واين والد بروس واين ( باتمان) هو الاب الشرعي للجوكر نفسه ( ما بخرب عليكم الفيلم) ولكن هذا الكسر اسهم كثيرا في أن نقترب أكثر من معاناة الجوكر وبداية الانكسار اللارجعي.  وربما هي لمسة المخرج التي يحرص ان يضع فيها بصمته الخاصة وان كانت مغايرة لواقع القصة التي تعودنا عليه.

ثانيا : الجوكر الاخراج
عندما نعلم ان أحد اكبر المخرجين الذي اخرجوا سلسلة باتمان هو كريستوفر نولان الشهير بعوالمه وأسلوبه في اخراج افلام العمق النفسي , وعندما نعلم أن مخرج فيلم الجوكر بنسخته الجديدة هو تود فيليبس الذي يحفل سجله بسلسلة من أفلام الكوميديا مثل هانجوفر 2009  و كلاب الحرب 2016 سنتعجب ما هي المؤهلات التي تجعل من هذا المخرج قادرا على تولي مشروع سينمائي قد يقصي مسيرته نهائيا مثل مشروع فيلم الجوكر؟ والإجابة صريحة وواضحة ( الكوميديا) . فعندما نتحدث عن اصول شخصية الجوكر وكيف بدأت من عالم القصص الهزلية المصورة وافلام الكرتون التي تربينا عليها سنجد أن الكوميديا السوداء ذات الطابع المسرحي هي مؤهلات كافية تماما ليشمر مخرج مثل فيليبس لتولي اخراج فيلم تعود على قوالبه جيدا. ل كان تتخيل مثلا كلينت استوود او ستيفن سبيلبيرغ يقومان باخراج نسخة كوميدية من هذا الفيلم ؟ سيكون بشعا بلا شك .كان الاخراج في هذا الفيلم ملحميا رائعا برائي الشخصي, برع المخرج في استدراجنا عبر مجموعة من اللقطات والمشاهد التي تقربك من الواقع ثم تعيدك الى الفانتازيا ثم تحفر لقدمك عميقا في الذات الإنسانية لشخصية معذبة محطمة يتلاشى كل ماهو جيد في عالمها حتى القدوة , حتى الأم . من أروع المشاهد التي ابدع المخرج فيها هو ذلك المشهد حينما يلتقي بروس واين الطفل بعدوه المستقبلي الجوكر أمام بوابة قصره المنيف, في هذا المشهد نرى الموسيقى , والتمثيل , والاضاءة والصوت واللغة السينمائية حاضرين بقوة وفي تماسك وابداع يجعلك تعيش التهديد القادم للطفل الصغير. تهديد رجل مثل الجوكر ( ليس لديه شيء ليخسره).
أما المشهد الذي سحر لب عقلي فهو  المشهد الذي كان قترب من نهاية الفيلم, المقابلة في البرنامج التلفزيوني الكوميدي,  مذهل بحق  كيف اجاد المخرج في إعطاءنا رؤية واقعية لبرنامج تلفزيوني ببث حي ومباشر بحيث يجعلك تنفصل عن عالم الفيلم والسينما لتدخل عالم التلفزيون والبث الحي.  انتقالية مذهلة تحسب لهذا المخرج وللمصور ايضا.

ثالثا : الجوكر الفلسفة والخطوط العريضة
هنا وفي هذا الفيلم سنشاهد الكثير من البنش لاينز. بشكل مكثف متسق وجميل يجعلنا نحضر قصيدة كأبة وقسوة واحباط وأمل مفقود. في هذا الفيلم سنشاهد كيف يقوم الخير بتوليد الشر ( توماس واين الذي خلق شخصية مثل الجوكر الى شوارع غوثام). كيف يعمل اثنان متضادان في نفسية واحدة. كيف تتحول شخصية ارق من أن تؤذي طفلا الى قاتل مهووس ترافق ضحكاته جرائمه . كيف يسهم المجتمع البشري في خلق وحوش من رحم ذاته ويطرحها الى الشارع ثم يخاف منها.
طوال الفترة الفيلم سنلاحظ ان هنالك صراعا مستعرا طبقيا بين اثنتين من طبقات المجتمع , الأغنياء والفقراء, ولن تلاحظ البتة وجود الطبقة المتوسطة في هذا الفيلم. هي معركة ذات قطب واحد توجهها السلطة والنفوذ والفساد والاعلام تسهم في صنع أبطال ومجرمين قتلة , هل الفقير حينما يطالب بحقه في الوجود يصبح مجرما, وهل يحق للغني أن يصبح بطلا رغم أنوف الجميع ؟ هل توجه وسائل الاعلام عبر برامجها ومنها برنامج ( موراي فرانكلين) الى الحقيقة عبر العاطفة  أم هي سلسلة من الخداع والاستعطاف في طريقها لتخدير المجتمع عن حقوقه ( نسقط عليها برامجا في عصرنا مثلا ايلين شو , ليت نايت شو , اوبرا وينفري....الخ ).
نقاط كثيرة تدور بخلدك وانت تشاهد الفيلم وتلك الكلاسيكية التي تربط الفن بالجريمة, الخير بالشر , التضحية بالأنانية.
وفي هذا السياق, دعوني أخبركم ان افلاما على غرار أفلام باتمان تسببت وبشكل واقعي (حقيقي) في وقوع هجمات مسلحة من المتأثرين بهذه السلسلة من الافلام, خيال يترجم الى واقع وكانت هنالك العديد من الضحايا التي سجلت في واقعة حدثت في الولايات المتحدة الامريكية ابان اطلاق فيلم ( باتمان , فارس الظلام) مما دفع المخاوف هذه المرة في أن تكون هنالك بواعث في فيلم الجوكر تسهم في وقوع حوادث مشابهة. ولقد كان هذا برائي أحد التحديات التي يصعب ان تتغلب عليها بحيث تخلق شخصية لا تجلب الكثير من العنف بل مسالمة نوعا ما ترش حولها مجموعة من توابل الاعذار بسبب المجتمع المحيط لتصبح فيما بعد مجرمة لا تتورع عن القيام بأفظع الجرائم ( اطلاق النار الوحشي على مدنيين في قطار , اطلاق النار على مقدم برنامج على الهواء , قتل رفيق في العمل بسكين في الجمجمة بمنتهى الوحشية حتى الموت ). ولقد فشل وكسب المخرج فيليبس الرهان حسب ظني. فكيف ل كان تظهر الجوكر غير عنيف أو قاس ونحن الذي تشبعنا به مجرما وحشيا نمطيا ؟

لا ابالغ أن قلت ان الفيلم سوف يترشح لعدد من جوائز الاوسكار أولها اوسكار افضل ممثل بدور رئيسي وكذلك افضل اخراج .

النقطة الوحيدة التي تثير استيائي م الموضوع كله والتي قد تشكل تخوفا مشروعا هي ( هل ينبغي لنا ان نلتمس العذر ونتعاطف مع كل مجرم وحشي في المجتمع ؟)

تقييمي
8.9/10
#هيثم_سليمان
#الجميع-يشارك_سينما
@haitham.sulaiman

مدونة سكريبت كت السينمائية