الاثنين، 21 سبتمبر 2015





هيثم سليمان
سيناريست سينمائي وتلفزيوني
Scriptcut.blogspot.com
استرجاع : يُعرف الحوار في السيناريو السينمائي على أنّه الكلام الذي يدور بين شخصيات بالنص سواء كان ذلك الحوار بين شخصيتين مختلفتين أم حوارًا مزدوجًا لشخصية واحدة فقط (حوارا ذهنيا). ويأتي الحوار ليكمل جمالية النص ككل بل ويوضح مسار الأحداث في كثير من الأحيان.وحينما نتحدث عن الحوار فنحن بالتالي نتحدث عن قالب يمكننا أن نسميه "خذ وأعطي" حيث تتبادل الشخصيات بالنص عبارات منتقاة حسب سير الأحداث وحاجتها للتواجد بالنص مما يعني وجود تفاعل درامي سلبا كان أم ايجابا أم جامدا بين تلك الشخصيات.
في المقال السابق من العمود تحدثت عن النوع الثانيمن طبقات الحوار بالسيناريو السينمائي وهو الحوار العميق وجاء المقال الذي يليه ليستعرض نموذجًا عن ذلك النوع من الحوار بالتطرق إلى كتاب "ذكريات من الماضي الجميل" للدكتورة آسية البوعلي.في هذا المقال سنختتم حديثنا المبسط عن الثلاث طبقات بالحديث عن النوع الثالث وهوالحوار الديناميكي.
يمكن أن نعرف الحوار الديناميكي بشكل مبسّط بأنّه الحوار الذي يجمع بين طبقة الحوار السطحي وطبقة الحوار العميق كنتيجة للظروف المحيطة لعملية الجمع هذه ومنها على سبيل الذكر لا الحصر نوع الشخصيات بالسيناريو ومستواها التعليمي والثقافي، نوع الفيلم الذي يعمل عليه كاتب السيناريو والمكان والزمان اللذان تدور فيهما القصة بالسيناريو.وحينما نأتي إلى كلمة ديناميكي نجد أنّها تعني الشيء المتصف بالقوة والنشاط والحيوية فنجده في تصاعد وفي تنازل متبادل لإظهار تلك القوة، وعليه ينطبق الوصف حينما نتحدث عن الحوار الديناميكي حيث تقوم عملية الشد والجذب في استخدام الحوارات من النوع السطحي والحوارات من النوع العميق بين الشخصيات في نشوء نشاط فكري صوري ما يؤدي بالمشاهد إلى التفاعل والتعاطي مع الأحداث والشخصيّات في السيناريو. بطبيعة الحال لايمكن أن يقوم كاتب السيناريو بكتابة حوار عميق مبني على تصاعد مستمر بحيث يرهق فكر القارئ أو المشاهد طوال الفيلم، لذلك نجده يلجأ إلى خلق شخصيات وأمكنة معينة تتناسب مع درجات الحوار السطحي ليخفف من حدة التصاعد أوبالأحرى ليوزع النشاط الناتج عن مرحلة التصعيد ويضعه في درجات أقل منه ليريح فكر وعين المشاهد/ القارئ طوال الفيلم وإلا انتقل الحوار من خانة الحوار الديناميكي إلى الحوار العميق الذي يتقبله غالبا جمهوره النخبوي مثلما أسلفنا في المقال السابق. المرونة في اختيار الشخصيات، الأزمنة،الأمكنة، الأحداث سواء كانت جامدة أم متحركة هي سمات واضحة في السيناريو ذو الطبقة الديناميكية لأنّها تفتح مجالا أوسع لاستقطاب مختلف الفئات من جماهير المشاهدين والقراء لقراءة السيناريو أو مشاهدة الفيلم لاحقا.
وعندما يقوم كاتب السيناريو بالموازنة المتأنية في نسب الحوارات إلى الشخصيات التي تناسبها داخل النص ينقل الحوار تدريجيا وبشكل تلقائي ليكون ديناميكا. وأبرز فائدة من الفوائد التي يجنيها النص من وراء اللجوء إلى هذه الطبقة من الحوار هي التنوع.فعندما ينوع كاتب السيناريو مثلا في شخصياته (فكريا، ثقافيا، سلوكيا،اجتماعيا...الخ) وأمكنته ( بدوية، حضرية، مستقبلية...الخ) يكون قد أوجد حوارا متنوعا ينقل المتلقي بين درجات مختلفة من القوة ويشده بشكل أكثر سلاسة إلى النص/ الفيلم.
ختاما، هنالك اعتبارات وأسباب تدفع كاتب السيناريو إلى استخدام الطبقات الثلاث كل على حدة منها ما يتعلق بالناحية الفنية المختصة بقدرات الكاتب نفسه ومنها مايختص بالظروف المحيطة بالنص

الخميس، 10 سبتمبر 2015

البوعلي في مد جينجا , الصورة خلف الحوار




""""البوعلي في مد جينجا , الصورة خلف الحوار"""
حيث أنني ومنذ المقالات الثلاثة السابقة أتحدث عن الحوار في السيناريو السينمائي وطبقاته المختلفة , أحببت أن استعرض ملامحا من قراءتي لكتاب " ذكريات من الماضي الجميل " للدكتورة اسية البوعلي (الطبعة الأولى مايو 2015 مطابع النهضة), كنموذج رصين وصادق للحوار العميق وإن اتخذ قالبا أخر غير السيناريو ليكون محتوىً فيه. كتابُ اقل ما أصفه به هو الصورة خلف الحوار .ولسنا هنا في ابحار بعيد عن عالم كتابة الحوار في السيناريو لأن القارئ المتأني المشتغل في حقل الفن السابع بالذات سيدرك ومنذ السؤال الأول ( المقابلة الثالثة, الأحد الثالث من أغسطس) الذي طرحته البوعلي على فاطمة جينجا الأديبة العُمانية الغامضة الحاضرة سيدرك أنه يُشاهد فيلما تسجيليا -  ولن اقول وثائقيا – مشاهدة قرائية , ذلك النوع من المشاهدة التي تتخيل فيها ويرسم عقلك سلسلة من الصور المبنية على الحوار كأنك تمسك كاميرا ما تسجل ما يتخيله عقلك من صور. قد نمر بحالة التخيل هذه بكل سهولة ونحن نقرأ رواية ما بدافع الإندماج التلقائي مع أحداثها لأن هيمنة السرد على ضخ الصور في عقولنا ستكون بارزة لا محالة , لكن وقوعنا في هذه الحالة فقط من جراء حوار يدور بين ألسنة شخصيتين في مواضيع ذات زخم اجتماعي وتأريخي شخصي لهو تجربة ممتعة أبعد من المألوف تستحق الوقوف عليها فعلا.
لم تدخر البوعلي جهدا في محاولة التوغل الحميد المغلف بالكياسة لاجترار إجابات ذات عمق وبعد نفسي, إجتماعي ,تأريخي من جعبة جينجا فنراها لا تتورع عن اقتحام السطح الى داخل العمق لسبر أغوار حقائق في مهمة لوضع اليد على ما كان وما يحمله من تأثير على ما يكون في حياة جينجا. وحينما نمعن تركيز مؤلفة الكتاب في الإنتقاء المتأني المسترسل لمواضيع الحوار  - المستهدفة بأسئلة من العيار الصريح- سندرك أن ما كانت تسعى إليه وتديره هو حوار عميق اتخذ جوانبا عدة قد تخشى اية شخصية يُجرى معها الحوار الانخراط فيه والوقوع في لجة تشعبه . ذلك النوع من الحوارات التي نراها في الأفلام الوثائقية والتي قد يستقطع فيها المُحاوَر لحظات من الصمت والتفكر – وإن كانت شديدة القصر- ليتعاطى فيها مع المُحاوِر. و في حين تبرز شجاعة المؤلفة في الولوج في هكذا حوار بل والتوغل فيه الى درجة يظنها القارئ الغير متصف بالموضوعية "تهجما" , تبرز إلى جانبها شجاعة جينجا في التعاطي مع الحوار بل والتفنن في اضفاء الحكايا الصورية القصيرة التي تنقلك وبعمق متناغم الى دواخل سيرتها  فيما يمكن أن نعتبره مشاهدا تسجيلية تطرحها جينجا أمامنا لتلامس المحسوس واللآ محسوس من الذكريات.  الحوار الدائر في كتاب البوعلي يقترب من وصف مشاهدة ورقية تخيلية قوامها الصورة المختزنة المختزلة التي يمكن أن نشاهدها في فيلم تسجيلي معد اعدادا جيدا وحينما اقول تسجيليا لا وثائقيا , أعني بطبيعة الحال أن ما جاء على لسان جينجا يحتمل كامل الحقيقة أو قد يحتمل نصفها أيضا فنحن اذا ما حصرنا أنفسنا في شاشة المشاهدة الورقية هذه , نعي تماما أن الفيلم الوثائقي يوثق وينقل الحقيقة كما هي بينما يحتمل الفيلم التسجيلي التركيب زيادة أو نقصانا لدواعي كثيرة يمكن أن نستوحي منها ضعف الذاكرة أو السببية الشخصية في حالة جينجا كحضور حواري ورقي.

مجملا, كانت البوعلي في عملها التسجيلي الورقي المخرجة دون مصور , كاتبة السيناريو دون سيناريو فنجحت الى حد بعيد في تقديم  نموذج بالغ العمق والشفافية للحوار الذي يمكن أن نسمعه في فيلم  تسجيلي محترف.

الخميس، 3 سبتمبر 2015

الحوار العميق في السيناريو السينمائي






الحوار العميق في السيناريو السينمائي
استرجاع : يُعرف الحوار في السيناريو السينمائي على أنه الكلام الذي يدور بين شخصيات بالنص سواء كان ذلك الحوار بين شخصيتين مختلفتين أم حوارا مزدوجا لشخصية واحدة فقط (حوارا ذهنيا) . ويأتي الحوار ليكمل جمالية النص ككل بل ويوضح مسار الأحداث في كثير من الأحيان.وحينما نتحدث عن الحوار ,نحن بالتالي نتحدث عن قالب يمكننا أن نسميه "خذ وأعطي " حيث تتبادل الشخصيات بالنص عبارات منتقاة حسب سير الأحداث وحاجتها للتواجد بالنص مما يعني وجود تفاعل درامي سلبا كان أم ايجابا أم جامدا بين تلك الشخصيات .
في المقال السابق من العمود تحدثت عن النوع الأول من طبقات الحوار بالسيناريو السينمائي وهو الحوار السطحي .في هذا المقال سأتحدث وبشكل مختصر عن النوع الثاني من في الطبقات الثلاث ( السطحي, العميق, الديناميكي) ألا وهو الحوار العميق.
يمكننا أن نعرف الحوار العميق بمصطلح " الحوار النخبوي" ولنضعه في عبارة مبسطة لنقول أنه  ما ينتخب ليكتب من الكلام على لسان الشخصيات في متن نص السيناريو على أن يكون هذا الكلام منقتى بدقة متناهية , متناسبا مع كل شخصية من شخصيات النص ومع الظروف المحيطة بالقصة بحيث يعكس بشكل أكثر تفصيلا عدة جوانب مما يجري بالقصة سواءا على مستوى الشخصيات أو على مستوى الحدث. وعندما نقول أنه نخبوي هذا يعني أن هنالك نخبة وانتخاب. بما معنى أن الحوار العميق ليس محض طرح يسكب على الورق دون فكر متعمق  وانما هو طرح مكثف مختصر ومتعمق يتفنن كاتب السيناريو فيه برصف الترميز الإيحائي لدلالات معينة يقصدها كاتب السيناريو في نصه ليصوغ فكرته ويطورها بشكل أجمل وأكثر تناسقا وتنظيما.
والحوار العميق هو حوار نخبوي على اربعة مستويات .المستوى الأول وهو الشخصيات , بحيث أن هنالك شخصيات يجب أن تخلق أو تنتخب لكي تتناسب مع الحوار الفلاني مما يعني أن يقوم كاتب السيناريو باختيار شخصياته بدقة خصوصا الرئيسة منها. المستوى الثاني وهو الحوار ذاته,  بحيث يتناسب الحوار مع الشخصيات التي انتخبها كاتب السيناريو مسبقا بل ويتناسب مع الظروف التي تمر بها الشخصيات ذاتها. المستوى الثالث هو الجمهور المتلقي سواءا القاريء أم المشاهد وهنا نأتي الى ضرورة وجود المشاهد أو القاريء الغير عادي ( النخبوي, المثقف, المطلع, سريع البديهة) لكي يفهم هذا الحوار ويفك طلاسمه ويكتشف مدلولاته. أما المستوى الرابع فهو كاتب السيناريو نفسه . لكي تقرأ حوارا معدا بدقة وحرص يحتوي دلالات وترميزات معينة تبرز جمالية الفكرة خلف النص, أنت بحاجة الى كاتب سيناريو غير عادي ايضا.اذ أن فن صياغة الحوار واظهار أقصى جمالياته يحتاج الى كاتب سيناريو ملم بأدواته الفنية أولا ( تحدثت عن بعضها سابقا في المقال الأول من سلسلة طبقات الحوار في السيناريو السينمائي), قادر على التعاطي الفكري المثمر مع نصه بجميع محتوياته من شخصيات وتسلسل أحداث ورصف مشاهد ثانيا , يمتلك الكم المعرفي الكبير الذي يؤهله الى وضع الايحاءات والترميزات تضمينا في حوارات الشخصيات. معرفة الكاتب بما يدور في عصره وقراءاته لمختلف مصادر المعرفة يؤهله كثيرا تطوير حواراته داخل النص وليس من كتب وهو يعلم كمن كتب وهو لا يعلم .

لقاءنا القادم مع الطبقة الثالثة والأخيرة من طبقات الحوار في السيناريو السينمائي ألا وهي طبقة الحوار الدينامكي