الخميس، 3 سبتمبر 2015

الحوار العميق في السيناريو السينمائي






الحوار العميق في السيناريو السينمائي
استرجاع : يُعرف الحوار في السيناريو السينمائي على أنه الكلام الذي يدور بين شخصيات بالنص سواء كان ذلك الحوار بين شخصيتين مختلفتين أم حوارا مزدوجا لشخصية واحدة فقط (حوارا ذهنيا) . ويأتي الحوار ليكمل جمالية النص ككل بل ويوضح مسار الأحداث في كثير من الأحيان.وحينما نتحدث عن الحوار ,نحن بالتالي نتحدث عن قالب يمكننا أن نسميه "خذ وأعطي " حيث تتبادل الشخصيات بالنص عبارات منتقاة حسب سير الأحداث وحاجتها للتواجد بالنص مما يعني وجود تفاعل درامي سلبا كان أم ايجابا أم جامدا بين تلك الشخصيات .
في المقال السابق من العمود تحدثت عن النوع الأول من طبقات الحوار بالسيناريو السينمائي وهو الحوار السطحي .في هذا المقال سأتحدث وبشكل مختصر عن النوع الثاني من في الطبقات الثلاث ( السطحي, العميق, الديناميكي) ألا وهو الحوار العميق.
يمكننا أن نعرف الحوار العميق بمصطلح " الحوار النخبوي" ولنضعه في عبارة مبسطة لنقول أنه  ما ينتخب ليكتب من الكلام على لسان الشخصيات في متن نص السيناريو على أن يكون هذا الكلام منقتى بدقة متناهية , متناسبا مع كل شخصية من شخصيات النص ومع الظروف المحيطة بالقصة بحيث يعكس بشكل أكثر تفصيلا عدة جوانب مما يجري بالقصة سواءا على مستوى الشخصيات أو على مستوى الحدث. وعندما نقول أنه نخبوي هذا يعني أن هنالك نخبة وانتخاب. بما معنى أن الحوار العميق ليس محض طرح يسكب على الورق دون فكر متعمق  وانما هو طرح مكثف مختصر ومتعمق يتفنن كاتب السيناريو فيه برصف الترميز الإيحائي لدلالات معينة يقصدها كاتب السيناريو في نصه ليصوغ فكرته ويطورها بشكل أجمل وأكثر تناسقا وتنظيما.
والحوار العميق هو حوار نخبوي على اربعة مستويات .المستوى الأول وهو الشخصيات , بحيث أن هنالك شخصيات يجب أن تخلق أو تنتخب لكي تتناسب مع الحوار الفلاني مما يعني أن يقوم كاتب السيناريو باختيار شخصياته بدقة خصوصا الرئيسة منها. المستوى الثاني وهو الحوار ذاته,  بحيث يتناسب الحوار مع الشخصيات التي انتخبها كاتب السيناريو مسبقا بل ويتناسب مع الظروف التي تمر بها الشخصيات ذاتها. المستوى الثالث هو الجمهور المتلقي سواءا القاريء أم المشاهد وهنا نأتي الى ضرورة وجود المشاهد أو القاريء الغير عادي ( النخبوي, المثقف, المطلع, سريع البديهة) لكي يفهم هذا الحوار ويفك طلاسمه ويكتشف مدلولاته. أما المستوى الرابع فهو كاتب السيناريو نفسه . لكي تقرأ حوارا معدا بدقة وحرص يحتوي دلالات وترميزات معينة تبرز جمالية الفكرة خلف النص, أنت بحاجة الى كاتب سيناريو غير عادي ايضا.اذ أن فن صياغة الحوار واظهار أقصى جمالياته يحتاج الى كاتب سيناريو ملم بأدواته الفنية أولا ( تحدثت عن بعضها سابقا في المقال الأول من سلسلة طبقات الحوار في السيناريو السينمائي), قادر على التعاطي الفكري المثمر مع نصه بجميع محتوياته من شخصيات وتسلسل أحداث ورصف مشاهد ثانيا , يمتلك الكم المعرفي الكبير الذي يؤهله الى وضع الايحاءات والترميزات تضمينا في حوارات الشخصيات. معرفة الكاتب بما يدور في عصره وقراءاته لمختلف مصادر المعرفة يؤهله كثيرا تطوير حواراته داخل النص وليس من كتب وهو يعلم كمن كتب وهو لا يعلم .

لقاءنا القادم مع الطبقة الثالثة والأخيرة من طبقات الحوار في السيناريو السينمائي ألا وهي طبقة الحوار الدينامكي

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

أتحمل مسؤلية ما اضعه هنا