الخميس، 1 أكتوبر 2015

الفن ما يأكل عيش !






هيثم سليمان *
على اعتبار أن الفن السابع هو أحد أعمدة الفنون في أي مجتمع متحضر يسعى لوضع بصمة واضحة في خارطة الحضارة الإنسانية، حاله حال بقية الفنون الأخرى، وجب أن تكون هنالك قنوات عدة من أجل تطويره والنهوض به ليصل إلى مستوى الوجود والمنافسة ومن ثم الصناعة.
بتنا نسمع كثيرا عبارة أشبه ما تكون بتوجه سائد لغسيل أدمغة ألا وهي"الفن ما يأكل عيش".. وعندما تأتي كهذه عبارة وسط نمو متزايد لسطوة الفن السابع في أروقة حياتنا المعاصرة سنشعر إما بسخف من ينادي بها أو بمحاولة لإثباط الجهود التي تسعى لإبراز هذا الفن.
كيف يُمكن أنْ لا يُطعم الفن عيشا وهو الذي صاغ ولا يزال العديد من القوالب الديموغرافية والاجتماعية والسياسية في حيوات المجتمعات؟ حسنا دعوني أسوق بعض الأمثلة على بعض الأفلام التي غيَّرت كيانات وأيديولوجيات مجتمعية كثيرة واشتهرت على مستوى العالم أجمع ومنها الفيلم البرازيلي "سيتي أوف جود" (إنتاج عام 2002)، والذي عرض تدهور حالة الفقر في إحدى ضواحي البرازيل، وكذلك فيلم"قندهار" للمخرج الإيراني محسن مخملباف (إنتاج 2001)، والذي يحكي رحلة في دهاليز العقائد والممارسات التي حفرتها طالبان في المجتمع الأفغاني، وفيلم "ذا ميركل وركر" (إنتاج عام 1962) للمخرج أرتن بين، والذي يحكي قدرة الإسنان على التغلب على الصعاب من حوله والصراع بين الظالم والمظلوم، وفيلم"جدجمنت أت نمبيرج" لمخرجه ستانلي كرامر، والذي كشف الكثير من الفظائع وويلات الحروب من محارق واضطهاد في حقبة الحرب العالمية الثانية...وغيرها الكثير من الأفلام التي غيَّرت مجرى التأريخ، بل وساعدت المجتمع على النمو والتطور؛ إما بنشر الوعي والحصول على حقوقه، وإما بتبيان منهج سيئ يجب تعديله داخل المجتمع نفسه، وإما بكشف الحقائق وتثقيف المجتمع بما يجري حوله.
... إنَّه الزَّخم الإنساني الفاعل الذي يضيفه الفن السابع إلى حياتنا كمجتمع متمدن.فحيثما يتواجد الحدث يتواجد الفن، وحياتنا لاتخلو من الأحداث المؤثرة والمهمة التي ينبغي على أحدٍ ما في يومٍ ما أن يُوثقها ويُقدمها إلى المجتمع لتبيان الرسالة وإبراز الحدث ما له وما عليه.كيف لنا أن نتجاهل القيمة الإنسانية التي يقدمها الفن السابع، ونأتي بكل صفاقة لندرجه محل الهامش من الشيء؟ لن أبالغ إن قلت إنَّ الفنون كافة بشتى أنواعها هي حق مجتمعي حضاري لأفراد المجتمع ومن الواجب أن يتم الاهتمام بها وتطويرها ونشرها بين العوام. هل اقتصاديات الدول -غير الفن- أهم فعلا من التثقيف والنمور الفكري للمجتمعات، فنجد جل الاهتمام ينصب على الصناعات الأخرى -ولك أن تسمي ما شئتمنها- بينما يُهمل الفن ويترك للجهود المقسمة العابرة! وما يدفعني إلى الشعور بالمرارة هو وعينا جميعنا بقوة وسطوة عالم الإعلام في فرض قرارات وتغيير مصائر مجتمعات دولية بأكملها، وفي نفس الوقت نتجاهل السعي في تطوير هذه الأداة المهمة التي يمكن أن تُثقف وتنشر الوعي وتعيد التفكير في الكثير من نواحي حياتنا. نحن نرى ونسمع، ولكننا لا نطبِّق مع علمنا أننا في مرحلة صراع حضاري فكري مُسيس يتفنن صُناع الفن فيه زرع أهدافهم فيه -صالحها وطالحها- ونكتفي بدور المتلقي تارة والمصفق تارة أخرى.سؤالي: متى سيكون الفن السابع على وجه التخصيص العيش كله بنظرنا؟

الاثنين، 21 سبتمبر 2015





هيثم سليمان
سيناريست سينمائي وتلفزيوني
Scriptcut.blogspot.com
استرجاع : يُعرف الحوار في السيناريو السينمائي على أنّه الكلام الذي يدور بين شخصيات بالنص سواء كان ذلك الحوار بين شخصيتين مختلفتين أم حوارًا مزدوجًا لشخصية واحدة فقط (حوارا ذهنيا). ويأتي الحوار ليكمل جمالية النص ككل بل ويوضح مسار الأحداث في كثير من الأحيان.وحينما نتحدث عن الحوار فنحن بالتالي نتحدث عن قالب يمكننا أن نسميه "خذ وأعطي" حيث تتبادل الشخصيات بالنص عبارات منتقاة حسب سير الأحداث وحاجتها للتواجد بالنص مما يعني وجود تفاعل درامي سلبا كان أم ايجابا أم جامدا بين تلك الشخصيات.
في المقال السابق من العمود تحدثت عن النوع الثانيمن طبقات الحوار بالسيناريو السينمائي وهو الحوار العميق وجاء المقال الذي يليه ليستعرض نموذجًا عن ذلك النوع من الحوار بالتطرق إلى كتاب "ذكريات من الماضي الجميل" للدكتورة آسية البوعلي.في هذا المقال سنختتم حديثنا المبسط عن الثلاث طبقات بالحديث عن النوع الثالث وهوالحوار الديناميكي.
يمكن أن نعرف الحوار الديناميكي بشكل مبسّط بأنّه الحوار الذي يجمع بين طبقة الحوار السطحي وطبقة الحوار العميق كنتيجة للظروف المحيطة لعملية الجمع هذه ومنها على سبيل الذكر لا الحصر نوع الشخصيات بالسيناريو ومستواها التعليمي والثقافي، نوع الفيلم الذي يعمل عليه كاتب السيناريو والمكان والزمان اللذان تدور فيهما القصة بالسيناريو.وحينما نأتي إلى كلمة ديناميكي نجد أنّها تعني الشيء المتصف بالقوة والنشاط والحيوية فنجده في تصاعد وفي تنازل متبادل لإظهار تلك القوة، وعليه ينطبق الوصف حينما نتحدث عن الحوار الديناميكي حيث تقوم عملية الشد والجذب في استخدام الحوارات من النوع السطحي والحوارات من النوع العميق بين الشخصيات في نشوء نشاط فكري صوري ما يؤدي بالمشاهد إلى التفاعل والتعاطي مع الأحداث والشخصيّات في السيناريو. بطبيعة الحال لايمكن أن يقوم كاتب السيناريو بكتابة حوار عميق مبني على تصاعد مستمر بحيث يرهق فكر القارئ أو المشاهد طوال الفيلم، لذلك نجده يلجأ إلى خلق شخصيات وأمكنة معينة تتناسب مع درجات الحوار السطحي ليخفف من حدة التصاعد أوبالأحرى ليوزع النشاط الناتج عن مرحلة التصعيد ويضعه في درجات أقل منه ليريح فكر وعين المشاهد/ القارئ طوال الفيلم وإلا انتقل الحوار من خانة الحوار الديناميكي إلى الحوار العميق الذي يتقبله غالبا جمهوره النخبوي مثلما أسلفنا في المقال السابق. المرونة في اختيار الشخصيات، الأزمنة،الأمكنة، الأحداث سواء كانت جامدة أم متحركة هي سمات واضحة في السيناريو ذو الطبقة الديناميكية لأنّها تفتح مجالا أوسع لاستقطاب مختلف الفئات من جماهير المشاهدين والقراء لقراءة السيناريو أو مشاهدة الفيلم لاحقا.
وعندما يقوم كاتب السيناريو بالموازنة المتأنية في نسب الحوارات إلى الشخصيات التي تناسبها داخل النص ينقل الحوار تدريجيا وبشكل تلقائي ليكون ديناميكا. وأبرز فائدة من الفوائد التي يجنيها النص من وراء اللجوء إلى هذه الطبقة من الحوار هي التنوع.فعندما ينوع كاتب السيناريو مثلا في شخصياته (فكريا، ثقافيا، سلوكيا،اجتماعيا...الخ) وأمكنته ( بدوية، حضرية، مستقبلية...الخ) يكون قد أوجد حوارا متنوعا ينقل المتلقي بين درجات مختلفة من القوة ويشده بشكل أكثر سلاسة إلى النص/ الفيلم.
ختاما، هنالك اعتبارات وأسباب تدفع كاتب السيناريو إلى استخدام الطبقات الثلاث كل على حدة منها ما يتعلق بالناحية الفنية المختصة بقدرات الكاتب نفسه ومنها مايختص بالظروف المحيطة بالنص

الخميس، 10 سبتمبر 2015

البوعلي في مد جينجا , الصورة خلف الحوار




""""البوعلي في مد جينجا , الصورة خلف الحوار"""
حيث أنني ومنذ المقالات الثلاثة السابقة أتحدث عن الحوار في السيناريو السينمائي وطبقاته المختلفة , أحببت أن استعرض ملامحا من قراءتي لكتاب " ذكريات من الماضي الجميل " للدكتورة اسية البوعلي (الطبعة الأولى مايو 2015 مطابع النهضة), كنموذج رصين وصادق للحوار العميق وإن اتخذ قالبا أخر غير السيناريو ليكون محتوىً فيه. كتابُ اقل ما أصفه به هو الصورة خلف الحوار .ولسنا هنا في ابحار بعيد عن عالم كتابة الحوار في السيناريو لأن القارئ المتأني المشتغل في حقل الفن السابع بالذات سيدرك ومنذ السؤال الأول ( المقابلة الثالثة, الأحد الثالث من أغسطس) الذي طرحته البوعلي على فاطمة جينجا الأديبة العُمانية الغامضة الحاضرة سيدرك أنه يُشاهد فيلما تسجيليا -  ولن اقول وثائقيا – مشاهدة قرائية , ذلك النوع من المشاهدة التي تتخيل فيها ويرسم عقلك سلسلة من الصور المبنية على الحوار كأنك تمسك كاميرا ما تسجل ما يتخيله عقلك من صور. قد نمر بحالة التخيل هذه بكل سهولة ونحن نقرأ رواية ما بدافع الإندماج التلقائي مع أحداثها لأن هيمنة السرد على ضخ الصور في عقولنا ستكون بارزة لا محالة , لكن وقوعنا في هذه الحالة فقط من جراء حوار يدور بين ألسنة شخصيتين في مواضيع ذات زخم اجتماعي وتأريخي شخصي لهو تجربة ممتعة أبعد من المألوف تستحق الوقوف عليها فعلا.
لم تدخر البوعلي جهدا في محاولة التوغل الحميد المغلف بالكياسة لاجترار إجابات ذات عمق وبعد نفسي, إجتماعي ,تأريخي من جعبة جينجا فنراها لا تتورع عن اقتحام السطح الى داخل العمق لسبر أغوار حقائق في مهمة لوضع اليد على ما كان وما يحمله من تأثير على ما يكون في حياة جينجا. وحينما نمعن تركيز مؤلفة الكتاب في الإنتقاء المتأني المسترسل لمواضيع الحوار  - المستهدفة بأسئلة من العيار الصريح- سندرك أن ما كانت تسعى إليه وتديره هو حوار عميق اتخذ جوانبا عدة قد تخشى اية شخصية يُجرى معها الحوار الانخراط فيه والوقوع في لجة تشعبه . ذلك النوع من الحوارات التي نراها في الأفلام الوثائقية والتي قد يستقطع فيها المُحاوَر لحظات من الصمت والتفكر – وإن كانت شديدة القصر- ليتعاطى فيها مع المُحاوِر. و في حين تبرز شجاعة المؤلفة في الولوج في هكذا حوار بل والتوغل فيه الى درجة يظنها القارئ الغير متصف بالموضوعية "تهجما" , تبرز إلى جانبها شجاعة جينجا في التعاطي مع الحوار بل والتفنن في اضفاء الحكايا الصورية القصيرة التي تنقلك وبعمق متناغم الى دواخل سيرتها  فيما يمكن أن نعتبره مشاهدا تسجيلية تطرحها جينجا أمامنا لتلامس المحسوس واللآ محسوس من الذكريات.  الحوار الدائر في كتاب البوعلي يقترب من وصف مشاهدة ورقية تخيلية قوامها الصورة المختزنة المختزلة التي يمكن أن نشاهدها في فيلم تسجيلي معد اعدادا جيدا وحينما اقول تسجيليا لا وثائقيا , أعني بطبيعة الحال أن ما جاء على لسان جينجا يحتمل كامل الحقيقة أو قد يحتمل نصفها أيضا فنحن اذا ما حصرنا أنفسنا في شاشة المشاهدة الورقية هذه , نعي تماما أن الفيلم الوثائقي يوثق وينقل الحقيقة كما هي بينما يحتمل الفيلم التسجيلي التركيب زيادة أو نقصانا لدواعي كثيرة يمكن أن نستوحي منها ضعف الذاكرة أو السببية الشخصية في حالة جينجا كحضور حواري ورقي.

مجملا, كانت البوعلي في عملها التسجيلي الورقي المخرجة دون مصور , كاتبة السيناريو دون سيناريو فنجحت الى حد بعيد في تقديم  نموذج بالغ العمق والشفافية للحوار الذي يمكن أن نسمعه في فيلم  تسجيلي محترف.

الخميس، 3 سبتمبر 2015

الحوار العميق في السيناريو السينمائي






الحوار العميق في السيناريو السينمائي
استرجاع : يُعرف الحوار في السيناريو السينمائي على أنه الكلام الذي يدور بين شخصيات بالنص سواء كان ذلك الحوار بين شخصيتين مختلفتين أم حوارا مزدوجا لشخصية واحدة فقط (حوارا ذهنيا) . ويأتي الحوار ليكمل جمالية النص ككل بل ويوضح مسار الأحداث في كثير من الأحيان.وحينما نتحدث عن الحوار ,نحن بالتالي نتحدث عن قالب يمكننا أن نسميه "خذ وأعطي " حيث تتبادل الشخصيات بالنص عبارات منتقاة حسب سير الأحداث وحاجتها للتواجد بالنص مما يعني وجود تفاعل درامي سلبا كان أم ايجابا أم جامدا بين تلك الشخصيات .
في المقال السابق من العمود تحدثت عن النوع الأول من طبقات الحوار بالسيناريو السينمائي وهو الحوار السطحي .في هذا المقال سأتحدث وبشكل مختصر عن النوع الثاني من في الطبقات الثلاث ( السطحي, العميق, الديناميكي) ألا وهو الحوار العميق.
يمكننا أن نعرف الحوار العميق بمصطلح " الحوار النخبوي" ولنضعه في عبارة مبسطة لنقول أنه  ما ينتخب ليكتب من الكلام على لسان الشخصيات في متن نص السيناريو على أن يكون هذا الكلام منقتى بدقة متناهية , متناسبا مع كل شخصية من شخصيات النص ومع الظروف المحيطة بالقصة بحيث يعكس بشكل أكثر تفصيلا عدة جوانب مما يجري بالقصة سواءا على مستوى الشخصيات أو على مستوى الحدث. وعندما نقول أنه نخبوي هذا يعني أن هنالك نخبة وانتخاب. بما معنى أن الحوار العميق ليس محض طرح يسكب على الورق دون فكر متعمق  وانما هو طرح مكثف مختصر ومتعمق يتفنن كاتب السيناريو فيه برصف الترميز الإيحائي لدلالات معينة يقصدها كاتب السيناريو في نصه ليصوغ فكرته ويطورها بشكل أجمل وأكثر تناسقا وتنظيما.
والحوار العميق هو حوار نخبوي على اربعة مستويات .المستوى الأول وهو الشخصيات , بحيث أن هنالك شخصيات يجب أن تخلق أو تنتخب لكي تتناسب مع الحوار الفلاني مما يعني أن يقوم كاتب السيناريو باختيار شخصياته بدقة خصوصا الرئيسة منها. المستوى الثاني وهو الحوار ذاته,  بحيث يتناسب الحوار مع الشخصيات التي انتخبها كاتب السيناريو مسبقا بل ويتناسب مع الظروف التي تمر بها الشخصيات ذاتها. المستوى الثالث هو الجمهور المتلقي سواءا القاريء أم المشاهد وهنا نأتي الى ضرورة وجود المشاهد أو القاريء الغير عادي ( النخبوي, المثقف, المطلع, سريع البديهة) لكي يفهم هذا الحوار ويفك طلاسمه ويكتشف مدلولاته. أما المستوى الرابع فهو كاتب السيناريو نفسه . لكي تقرأ حوارا معدا بدقة وحرص يحتوي دلالات وترميزات معينة تبرز جمالية الفكرة خلف النص, أنت بحاجة الى كاتب سيناريو غير عادي ايضا.اذ أن فن صياغة الحوار واظهار أقصى جمالياته يحتاج الى كاتب سيناريو ملم بأدواته الفنية أولا ( تحدثت عن بعضها سابقا في المقال الأول من سلسلة طبقات الحوار في السيناريو السينمائي), قادر على التعاطي الفكري المثمر مع نصه بجميع محتوياته من شخصيات وتسلسل أحداث ورصف مشاهد ثانيا , يمتلك الكم المعرفي الكبير الذي يؤهله الى وضع الايحاءات والترميزات تضمينا في حوارات الشخصيات. معرفة الكاتب بما يدور في عصره وقراءاته لمختلف مصادر المعرفة يؤهله كثيرا تطوير حواراته داخل النص وليس من كتب وهو يعلم كمن كتب وهو لا يعلم .

لقاءنا القادم مع الطبقة الثالثة والأخيرة من طبقات الحوار في السيناريو السينمائي ألا وهي طبقة الحوار الدينامكي

السبت، 29 أغسطس 2015

الحوار السطحي في السيناريو السينمائي





الحوار السطحي في السيناريو السينمائي
استرجاع : يُعرف الحوار في السيناريو السينمائي على أنه الكلام الذي يدور بين شخصيات بالنص سواء كان ذلك الحوار بين شخصيتين مختلفتين أم حوارا مزدوجا لشخصية واحدة فقط (حوارا ذهنيا) . ويأتي الحوار ليكمل جمالية النص ككل بل ويوضح مسار الأحداث في كثير من الأحيان.وحينما نتحدث عن الحوار ,نحن بالتالي نتحدث عن قالب يمكننا أن نسميه "خذ وأعطي " حيث تتبادل الشخصيات بالنص عبارات منتقاة حسب سير الأحداث وحاجتها للتواجد بالنص مما يعني وجود تفاعل درامي سلبا كان أم ايجابا أم جامدا بين تلك الشخصيات .
في المقال السابق من العمود تحدثت عن الأنواع الثلاثة من طبقات الحوار بالسيناريو السينمائي وهي الحوار السطحي , الحوار العميق والحوار الديناميكي . في هذا المقال سأتحدث وبشكل مختصر عن النوع الأول من في الطبقات الثلاث ألا وهو الحوار السطحي. باديء ذي بدء , ما هو الحوار السطحي في السيناريو ؟ يمكننا أن نعرفه ببساطة على أنه مايكتب من الكلام على لسان الشخصيات في متن نص السيناريو على أن يكون هذا الكلام بسيطا الى درجة السذاجة والضعف أدبيا وفنيا بشكل يستسهل أو يستنكر فيها القاريء ذلك الكلام ويعتبره غير مناسبا للشخصيات أو الظروف المحيطة بالحدث داخل المشهد أو أن يكون غير مقبول ثقافيا , لغويا, دراميا على الأقل من القاريء .لا يمكننا تجاهل أن هنالك حوارات سطحية تتواجد في الكثير من السيناريوهات السينمائية تفرضها عدة عوامل منها ما ذكرته في المقال السابق كنوعية الفيلم الذي يعكف الكاتب على كتابته و طبيعة توزيع الادوار في النص حسب الشخصيات بقصة الفيلم. هذه العوامل يمكن تسير أو تجبر كاتب السيناريو الى وضع حوار سطحي يتناسب والظرف المحيط بالمشهد أو بالشخصيات ولكن دعونا نتجه الى الحالة التي لايكون هنالك اكراه, أو اجبار على الكاتب لسلوك هذا المنحى وهذه الحالة لابد أن تكون متصلة بالقدرات الفنية للكاتب نفسه.
عندما يكون كاتب السيناريو غير متمكن من أدواته يُصبح أكثر عرضة لوضع حوار سطحي هش.عدم معرفة الكاتب لكيفية تسخير أدواته (اللغة ,المعرفة الكافية, الاتساق الفكري, الخيال, الصياغة والإنسياب البصري والصوتي , الأفعال, الوصف, لغة البيئة والجسد والمكان ) تدفع الحوار نحو هاوية التسطيح لأن ما يكتبه في السيناريو يُثر مباشرة على مايكتبه في الحوار. ايضا يشكل ضعف معالجة الفكرة أحد اسباب سطحية الحوار فحينما يتوقف الكاتب عن البحث في مكامن ترقيع فكرته وتطويرها وجعلها أكثر رونقا وجمالا يندفع لاشعوريا نحو حوار سطحي ضعيف مبني على سذاجة ونقص الفكرة. ونقص الفكرة أو عدم انهاءها يثير ارتباكا لدى القاريء الذي يحرص على ربط السيناريو بالحوار وهذا من حقه كقاريء طالما أن خانة السيناريو وخانة الحوار يكملان بعضهما بدهيا. أما المدى الذي يوفي ويخلص فيه الكاتب للسيناريو الذي يكتب وتمسكه بالقضية, الرسالة, الهدف المتضمنة في نصه فيشكل جانبا أخر لقوة أو ضعف الحوار. أن تعطي النص من روحك وشغفك وإيمانك لاشك أن هذا العطاء سيثمر فيما تكتب ويدفعه لى الأفضل في كل حين.

ولي تكملة مع النوع الثاني من طبقات الحوار وهو الحوار العميق.

الثلاثاء، 25 أغسطس 2015

ورش وردورات في تعليم كتابة السيناريو بالانجليزية








Too many writers think that a scene is just two people talking or arguing. Or they use the scene as an opportunity to advance the plot, reveal character, or simply make an impact through set-pieces. While there's some validity to that, most amateur scenes tend to fall flat and disengage the reader, who ultimately tosses the script in the recycling bin.


Writing great scenes requires talent, skill, know-how and practice. While the first two can't be taught, you can learn what makes a great scene, recognize when a scene doesn't work and why, and apply practical techniques as you craft dramatic scenes and receive feedback from the instructor.


Objectives:
  • Improve your scene writing skills
  • Put your scene writing skills to the test and receive professional feedback
  • Master the craft of scene writing and increase your chances of writing a successful script
Course Outline:
  • Scene Basics - What you must know to craft a good scene
  • Elements of a good scene - Symptoms of a flawed scene
  • Advanced techniques to elevate your scene from good to great
  • Scene subtext and other tricks 

u will learn:
  • How to craft and structure the basic dramatic scene
  • Effective techniques to make your scene more compelling
  • The three types of scenes in a screenplay
  • The key elements of the pre-writing phase of a good scene
  • The most common scene problems and how to avoid them
  • The crucial distinction between passive and active conflict
  • How to use the Emotional Palette to create tension and anticipation
  • All about pacing, scene variety, and scene transitions
  • How to craft scene subtext

الخميس، 20 أغسطس 2015

طبقات الحوار في السيناريو السينمائي




طبقات الحوار في السيناريو السينمائي 
يُعرف الحوار في السيناريو السينمائي على أنه الكلام الذي يدور بين شخصيات بالنص سواء كان ذلك الحوار بين شخصيتين مختلفتين أم حوارا مزدوجا لشخصية واحدة فقط (حوارا ذهنيا) . ويأتي الحوار ليكمل جمالية النص ككل بل ويوضح مسار الأحداث في كثير من الأحيان.وحينما نتحدث عن الحوار ,نحن بالتالي نتحدث عن قالب يمكننا أن نسميه "خذ وأعطي " حيث تتبادل الشخصيات بالنص عبارات منتقاة حسب سير الأحداث وحاجتها للتواجد بالنص مما يعني وجود تفاعل درامي سلبا كان أم ايجابا أم جامدا بين تلك الشخصيات وهو ما يدفعنا نحو النقطة الأهم في موضوعنا  ألا وهي الطبقات المختلفة للحوار داخل النص السينمائي.

يمكن أن نصنف طبقات الحوار في السيناريو السينمائي الى ثلاثة طبقات غالبا ما يصفها أو يسميها نقاد السيناريو أو السينما بشكل عام . سوف أخصص مقالا مستقلا لكل طبقة من تلك الطبقات الثلاث ونبدأها في المقال القادم بإذن الله.هذه الطبقات الثلاث هي السطحي والعميق والديناميكي .يمكن أن يكون الحوار سطحيا أو عميقا أو ديناميكا بين الطبقتين تبعا لعدة عوامل مسببة ودعوني أطرحها هنا في شكل اسئلة استيعابية . أولها نوعية الفيلم الذي يعكف الكاتب على كتابته ؟ هل هو فيلم دراما واقعية أم خيال علمي أم اثارة...الخ وثانيها  طبيعة توزيع الادوار في النص حسب الشخصيات بقصة الفيلم كأن تكون الشخصية منطوية قليلة الكلام أو أن تكون على النقيض ثرثارة مرحة أو أن تكون فلسفية أديبة أو قروية بسيطة أو غير متعلمة مثلا .فطبيعة الشخصية بالقصة يمكن أن تحدد مسار الحوار الذي ستتبعه ,كميته وطريقته أيضا .أما ثالثها فهي فنية تتعلق بأداء الكاتب في النص نفسه  مثلا, هل كاتب النص متمكن من أدواته في كتابة السيناريو ؟ هل هنالك معالجة جيدة للفكرة ؟ هل هنالك قصور في الفكرة أو أنهائها ؟ هل كاتب النص يعطي النص من روحه مؤمن بأهمية مايكتب ومالذي يريد أن يقدمه للجمهور من وراء النص ؟ وهنالك عوامل أخرى لايتسع المجال لذكرها بينها المهم وبينها دون ذلك تسهم في تمحور طبقة الحوار بالنص في مسار غالب سواءا كان هذا المسار سطحيا أم عميقا أم ديناميكا.

وتكمن أهمية معرفة الكاتب لطبقة الحوار التي يتبعها نصه - سواءا اتبعها عن علم ودراية وبقصد ما أو لاشعوريا لأسباب فنية -   في ادراك مكامن الضعف والقوة في الحوار وتساعده على التنقيح السليم لعدة عناصر داخل النص منها الخطوط الدرامية و الامكانيات التي رسمها لكل شخصية مسبقا لحظة صنعه لتلك الشخصية في نصه في أول ظهور لها .بل وتذهب أبعد عن ذلك في مساعدته على ترتيب المشاهد أيضا.
وأختم المقال بالثلاثة شروط الأولى المهمة لكتابة حوار جيد للسيناريو وسأكمل البقية تباعا في المقالات القادمة بمشيئة الله .أولا : يجب أن يعبر الحوار عن الشخصية صاحبة الحديث ويحدد من هي. ثانيا :يجب أن يتميز الحوار بمفردات منتقاة بعناية وتكون مختصة بالشخصية الفلانية متصلة بالسيناريو ككل. ثالثا : يجب أن يعكس الحوار الجو العام والخاص للشخصية بمعنى نواحيها السلوكية الظاهرة بشكل عام وانفعالاتها الداخلية بشكل خاص بما يتناسب ووصف الشخصية وسير الأحداث كما رسمه الكاتب. لنا لقاء مع تتمة للحديث لأتحدث فيه عن الحوار السطحي كأولى الطبقات في حوا رالسيناريو السينمائي.ماهو وما هي سلبياته وغيرها من النقاط.

الأحد، 9 أغسطس 2015

تجليات من السينما العُمانية - المقال 63 بجريدة الرؤية







هيثم سليمان
سيناريست سينمائي وتلفزيوني
إنّ السعي الحثيث لخلق سينما عُمانية يمكن أن يصل إلى مقام الصناعة السينمائية لهو سعٌي دؤوب ومحموم لا نزال جميعا نرى أثره في مختلف القطاعات الفنية بل ونسمع أخباره بين الحين والآخر وإن كان ما يزال طفيفًا أو منزويًا عن الأبواق الإعلامية. إذ أنّ هذا السعي لا يشكل فقط رغبة صناع الأفلام العمانيين وبعض الفئة الأقل من القليلة من المسؤولين المتحمسين لقيام صنعة سينمائية على أرض السلطنة - على اعتبار أنّ البعض الآخر من المسؤولين يعتقد وبشدة أنّ الفن ما يأكل عيش - بل يعد محاولة تدوين فني ثقافي على صفحات الوطن لتبقى مستندًا بصريا للأجيال القادمة يوثِق ما قام به هؤلاء جميعا.
قد تختلف الوسائل والطرق التي يمكن أن يمنهج فيها هذا السعي لكن الصفة العظمى التي تغلب عليه هي الجهود الشبابية المستقلة هنا وهناك وعبر نتاج فردي أو جماعي متشرذم تختلف فيه مستويات جودة العمل السينمائي المقدم بين الضعيف والمقبول والجيد والمنافس إقليميا وعالميا. ورغم أنّ هنالك محاولات تستحق الإشادة والوقوف عليها من قبل بعض المؤسسات الحكوميّة والأهلية للنهوض بقطاع الفن السابع وتشجيعه عبر مختلف الورش والدورات التدريبية والملتقيات السينمائية كاللجنة الوطنية للشباب والجمعيّة العُمانية للسينما ووزارة التراث والثقافة إلا أن هنالك ثمة عدم تشبع يصل إلى الحد الأدنى على الأقل من وجود قاعدة واضحة وقوية لقيام صناعة سينمائية في وطننا الحبيب. وعندما تتاح لأجيال الشباب العُماني الشغوفة بالسينما فرص الالتقاء والاحتكاك محليا كان أم عربيا بخبرات سينمائية من خارج أرض الوطن يمكن أن نرى من خلال هذه الفرص بواعث لمنهجة الخطوة الأولى لقيام الصناعة السينمائية لدينا. هذه البواعث تبدأ باكتشاف كل صانع أفلام لقدراته وتمييزها ومقارنتها بأقرانه من المشتغلين في القطاع وبالتالي محاولة خلق نمط أو مسلك سينمائي يسير عليه ويكثف نتاجاته فيه. التنوع لايضر بعملية قيام الصناعة السينمائية لدينا لكن التفرد والتشرذم هو ما يقوض قيام صناعة متحدة كهذه تتشارك فيها جميع الأطراف المعنية بواحد من أهم الفنون على مدى التأريخ. وبينما يراها الآخرون طرق حياة، مبدأ حياة، ومعبرا لكل ما هو جميل ومختلف، نراها نحن وللأسف كأداة ترفيهية ربما وكتقانة يختص بها من يتوفر لديه الدعم فقط.
وحينما نتحدث عن إلتقاء الخبرات واحتكاكها، لابد أن نذكر أن هنالك خبرات سينمائية ناقدة ذاع صيتها خارج الوطن بل وأصبح يُعتد بها في مختلف لجان التحكيم في المهرجانات وأخرى ما تزال تقدم الكثير لجيل الشباب من السينمائيين العمانيين لكننا لا نكاد نرى أثرا واضحا - إعلاميا وأكاديميا- على الأقل لهذه الخبرات. وكأنما تمّ تهميشها قصرا أو عمدا وتم إبعادها من المشهد السينمائي العماني ليكتفي الآخرون غيرنا بالاستفادة مما لديها من خبرات في وقت نحن في أشد الحاجة إليها فيه.
المفهوم السينمائي لدينا بحاجة إلى إعادة ترتيب أوضاع وتكثيف وتصحيح مسار ربما إذ أن عالم السينما بكل تداعياته وتفاصيله ومكنوناته وهواجسه أكبر من مجرد احتفالية سينمائية يحضر إليها القاصي والداني أو ورشة صغيرة طُرحت على خجل وانزواء وبقيت مخصوصة لمن تظن المنظومة المؤسساتية أنّهم رواد هذا العالم العملاق فيها. الوساطة في الفن أيّما كان مجاله تقتل الإبداع وتقلل من جودة العمل الفني المقدم لا سيما لجمهور أصبح جاهزا للانتقاد علنا عرف بما في الدلو أم لم يعرف.
ثمة حاجة إلى قيام نهضة ما أكثر تنظيما وتفرعا ووصولا إلى مختلف شرائح الصناع بل وظهورا إعلاميا بلا مبالغة أو تحريف لنتقدم. ثمة حاجة إلى لا أدري ولكن نحن بحاجة إليها فعلا... لتستمر المسيرة.

الخميس، 30 يوليو 2015

لجمهور السينمائي بين الواقع والغموض




هيثم سليمان

سبق وأن تحدثت في مقال سابق عن نقطة التقاء ذائقة صانع الأفلام مع مشاهد الأفلام، وكيف لكل ذائقة منهما أن تختلف جراء العديد من الدواعي والظروف الاجتماعية والثقافية والتعليمية.وأتى اليوم لا أتساءل ولكن بطريقة أخرى حول نفس موضوع الذائقة والتقبل إيّاه. لماذا يتقبل الجمهور العربي أعمال السينما الأجنبية التي تتسم بالغموض وذات حبكة معقدة تحتاج إلى ذكاء وصبر لاكتشاف الحقيقة بينما لايتقبل الأعمال العربية التي تندرج تحت نفس النوع .. هذا الموضوع وددت الحديث عنه منذ فترة طويلة لكنني أحجمت عن التحدث حتى ألامس تجربة ما شخصية، وسواء كنت كاتبا كنت أم مخرجا أو منتجا أم ممثلا فستحتاج إلى جهد جبار لتجعل المشاهد العربي يتقبل عملا فانتازيا لك. حتىوإن كان العمل ذكيا وجديدًا ويحث المشاهد على التفكير ومحاولة التوقّع واستنتاج الأحداث وحتى التداعي وتطور الفكرة. المشاهد العربي بالأحرى في تناقض مع نفسهيطلب من الفن أن يقدم أعمالا واقعيّة تحكي مايعبّر عن المجتمع وهمومه وقضاياه (وهذا حق شرعي له) لكنّه يعود وينتقد ويسخر ممايقدم من هذه الأعمال الواقعيّة ويتهم الفن العربي أنه بلا تجديد ولا يخرج من القالب الواقعي المتكرر. بل ويطالب بأعمال فانتازيّة وعندما تقدم له هذه الأخيرة يبدأ في اتهام الفن العربي بالشطح ويصفه بأنه(فيلم هندي فلا يتقبله ويسخر منه، وفي نفس الوقت لاتوجد لديه مشكلة في مشاهدة عمل أجنبي (هندي أو أجنبي) ويتقبّله ويثني عليه بل ويتعدى مرحلة الثناء والإعجاب إلى مرحلة مقارنة ما شاهده مع عملعربي.
أحيانًا نشعر في وسطنا الفني بأنّ الجمهور لايعرف ماذا يريد من الفن العربي حقاً طالما أنّ ذات الجمهور يصر على إيقاع نفسه بنفسه في دوامة التناقض وعدم تقبل الجديد. المشاهد العربي ودعوني أقول العماني مثلا (حسب رأيي وحسب مارأيت) يريد كل شيء واضح وضوح الشمس وكل شيء متوقعا.ليس لديه وقت أو كلفة للتفكير والتساؤل ومحاولة الاستنتاج أو تشغيل العقل لتحليل الأحداث.ليس لديه الاستعداد لبذل الجهد لك يشاه مثلا فيلما عمانيا غير واضح المعالم من أول مشهد لكن ويا للعجب العجاب لديه الاستعداد ليتابع فيلما أجنبيا يحتوي غموضا في غموض.المشاهد لدينا للأسف (ولا أعمم هنا) يحب أن يلقم الفكرة والحدث تلقيم الملعقة، ويكسل عن محاولة التفكير والتحليل فهو لا يرغب في فلسفة أو حبكة معقدة أو ولوج فني في تقليم أظافر المشهد السينمائي بحرفية ومهنيّة. أكاد أجزم أن مايبحث عنه المشاهد عمومًا هو بطل وبطلة وقصة واضحة بشكل لا غبار عليه تماما والسلام عليكم. ورغم هذا أقول إن ثمة بارقة أمل بدأت تلوح في أجيال اليوم التي يهمها الإبداع أكثر مما يهمها التقليد واستهلاك الأفكار المطروحة فنيا على الساحة. لن يكون مشوار هؤلاء سهلا البتة في ظل التعود أو الاستسلام لقالب السطحية الوضوح الذي بات محيرا ومثيرا للنفور فعلا لكنهم سيجدون تلك الفئة التي نسميها بالنخبة جاهزة للتلقي والتذوق وإعطاء العمل ما يستحق من النقد أو التمحيص إذ ما الهدف من تقديم فن سينمائي لايثير في عقولنا دواعي التفكير والتحليل بالتالي متعة الاكتشاف الذاتي أو خيبة الاستنتاج لنعجب ببراعة الصانع. نحن في زمن أصبح كسل العقول فيه سلعة رائجة رخيصة السعر تسوّق لتقتل فينا مكامن الفهم والإبداع كعرب، لا تزيدوا من دكاكين هذه السلعة أرجوكم.
سيناريست سينمائي وتلفزيوني

الجمعة، 12 يونيو 2015

عدسة على أيدولوجيا السينما العُمانية

رؤية سينمائية
هيثم سليمان
سيناريست سينمائي وتلفزيوني








السينما العُمانية وان كانت ذات مشوار اقصر من القصير جدا كنتاج لن تكون بعيدة عن خضم باقي الايدولوجيات التي نشأت وتماهت فيها السينما العربية والعالمية. اذ أن هنالك سمات مشتركة تتشارك فيها العُمانية مع نظيرتها العربية والعالمية كون الهاجس والهم السينمائي هو فضاء مشترك يعيشه جميع المشتغلين في الفن السابع حول العالم. وعندما نتحدث عن هذه الايدلوجيا نحن نتحدث عن أنماط وظواهر نشأت بعدة مسببات منها الجمهور والنظام والممارسات السينمائية. فهنالك الجمهور الذي يفضل كثيرا الأعمال السينمائية ذات الصبغة المحلية الخالصة والتوجه التقليدي كما يوجد القليل من النقيض ايضا وهنالك النظام الذي يتصف بالبيروقراطية وسلسلة من الشكليات والرسميات التي ماتزال تعيق الحرية السينمائية وهنالك الممارسات السينمائية كثقافة سينمائية ونضج سينمائي يكافح جاهدا للظهور بشكل أوضح للعيان داخليا وخارجيا. وهذه الأنماط والظواهر تعني كاتب السيناريو مثلما تعني بقية أطراف فريق صنع الفيلم السينمائي حيث يكاد هو العامل الأكثر تأثرا بها بل وتحويلا لها الى مخرجات ابداعية مختلفة المساق والقضايا .
مازلنا في السينما العُمانية نقدس تكدس السمعة السينمائية في الشخص الواحد , فنسمع عن الكاتب الفلاني المعروف الذي كتب السيناريو الفلاني وهو يتحمل تلقائيا سلبياته و ايجابياته وكأنها عملية مناظرة وتقييم لأداء هذا الكتاب ربما ليس انطلاقا من حسن أداءه من عدمه ولكن من السمعة التي كونها عبر مشواره قصيرا كان أم طويلا, تلك السمعة التي باتت وكأنها ماركة تخصه الى جانب غيره من المشتغلين السينمائيين كالمخرج والممثل وغيره كان مستحقا لها أم لا.
ومن الأنماط ايضا نقد وتقصي الرسالة التي جاء بها الكاتب في نصه. قالب الفن كرسالة ذات ابعاد اجتماعية تتداخل كثيرا مع أيقونات الارض والتأريخ. هذا القالب ما يزال يطغى على الأعمال الكتابية الفلمية لدينا ويبدو أن القالب الاخر وهو الفن للفن سيحتاج الى وقت طويل قد يمتد الى عقود ليظهر على الساحة بشكل أوضح وان كان هنالك من سلكوا هذا القالب منذ فترة أمثال المخضرم سما عيسى والكاتبة الموهوبة أمل السعيدي. وانه من بواعث  الاسف بلا شك أن يوجد هنالك تركيز لإبراز هذا الجانب من التوجه الايدلوجي في عمق السينما العمانية حيث نأتي متراجعين كثيرا في احلال وتداول النقد السينمائي المحترف لرسائل أعمالنا السينمائية بالرغم أنن نملك خبرات ليست بالهينة في هذا المجال أمثال المخضرم عبدالله حبيب  والناقد الرائع عبدالله خميس.
أما التمزق والتفرق في محتويات ومضامين المواضيع التي تتناولها السيناريوهات العُمانية فهو ملحوظ الى درجة ما وما يزال يحمل ذلك الصراع النمطي بين القديم والمستحدث – المستحدث الذي نراه نحن مستحدثا بينما غربا يأكل الدهر عليه ويشرب ربما – حيث من الخطأ في رأيي أن نعتقد أن السينما العمانية هي سينما المؤلف وسط خضم البيروقراطية والمحسوبية في اعتماد النصوص السينمائية للتجاوز مرحلة القراءة والنقد المحترف – ان اتيح له المجال اصلا – الى مرحلة الانتاج والتصنيع. مازلنا نمجد التراث والهوية في مواضيعنا المتداولة, ربما لأن هذا التوجه هو الأكثر قبولا – ويمشي حاله محليا – أكثر من اي توجه ابداعي أو استحداثي معين.
ولأننا لسنا  بذي المشوار الطويل في تأريخ السينما بعد ولسنا من أرباب النهضة السينمائية القائمة على وجود المدارس والحركات السينمائية المتعددة والحرة مثل فرنسا وأمريكا , تكاد الايدلوجية السائدة في فننا السابع هي ايدلوجية التكرار والتقليد والتفرق والسمعة الاحتكارية المدعومة بتوجه النظام السائد و لن تتغير معالم هذه الأيدولوجية الا بتغير المسببات الثلاث التي ذكرت سابقا. حينها فقط يُفتح المجال لكاتب السيناريو لإبراز هذه المعالم الجديدة.

الثلاثاء، 9 يونيو 2015

احتفالية الفيلم الوثائقي, ما بعد الحدث

رؤية سينمائية
هيثم سليمان
سيناريست سينمائي وتلفزيوني






تكاد تفصلنا أيام قلائل على انتهاء واحد من أهم واضخم الأحداث السينمائية على أرض السلطنة, احتفالية الفيلم الوثائقي التي تتبناها وتشرف عليها وزارة التراث والثقافة ممثلة في اللجنة الفنية للتظاهرة الاسلامية الكبيرة " نزوى عاصمة الثقافة الاسلامية ".وحيث أنني كنت أحد المشاركين وشاهد عيان على جميع مراحل هذه الاحتفالية المهمة ابتداء من خلق الأفكار وصولا الى تسليم الأعمال الى للجنة المنظمة , تكاد مشاعر مختلطة تعصف بداخلي وترادوني ألف فكرة ولكن يبقى السؤال الملح الذي يفترض ان يتمخض من وراء هذه الفعالية السينمائية الفنية , ماذا بعد الحدث ؟ أجل ماذا بعد انتهاء احتفالية الفيلم الوثائقي؟

وكإجابة لابد أن تحضر على هذا التساؤل ,لسان حالي يقول هنا أن هذه الاحتفالية تعتبر بمثابة المشروع صفر أو حجر الزاوية لمشاريع سينمائية وثائقية قادمة. اذ ان العصارة المعرفية السينمائية التي توغلت في مخيخ العقول العمانية الشابة المشاركة ف هذه الاحتفالية كافية الى حد بعيد لقيام قاعدة خبراتية مصغرة ينطلق من خلالها صناع الأفلام العمانيون لصنع المزيد والمزيد من الأفلام الوثائقية مستقبلا. ولم تكن الخطة المدروسة والنهج المتكامل اللذان اتبعتهما اللجنة الفنية لنزوى عاصمة للثقافة الاسلامية محض تفكير في الأن واللحظة. فمن خلال العملية التعليمية والتطبيقية الممنهجة التي سارت عليها الاحتفالية منذ انطلاقها وحتى الأن , نستشف وبشكل جلي رغبة الحكومة الملحة في تكوين جسد سينمائي وثائقي على أرض عُمان. جسدٌ قوامه شباب عمان رجالا ونساء لاسيما وهم يرتعون في وطن يرتبط أسمه بالثقافة والفن والموروث العريق افلا يتوجب حينها أن يكون هؤلاء هم حارسوا هذا القالب الحضاري وناشروه في شتى بقاع الأرض ؟ ولكن بقاء هذا الجسد السينمائي الوثائقي واستمرار شموخه مرهونٌ بعزائم صناع الأفلام المشاركون في هذه الاحتفالية, اذ يعول عليهم نشر ما تعلموه من خلال احتكاكهم بخبرات عالمية أعطتهم من المعين ما لا ينضب ومن الحب ما لا يتسع لأي قلب حمله. ولقد قالها أجدادنا العمانيون سابقا " يد واحدة لا تصفق ", اي نعم المرحلة الجديدة القادمة من عمر السينما الوثائقية في عمان مرهونة بعقول وأرواح الشباب وتقع عليهم المطرقة كما يقع عليهم السندان ولهم فن ادارة الرحى حسب تطلعاتهم وشغفهم وعشقهم للفن السينمائي  وليست عمان في مسيرتها الوثائقية بطفل يحبو على قدميه وانما مسيرة فنية حفلت بالكثير من الأفلام الوثائقية والتسجيلية. ما نرغب به الأن هو اكمال مسيرة العطاء. اكمال الدرب الذي عاهدنا أنفسنا فيه أن نكون على قدر المسؤولية وعظم الامانة في ظل الركب السامي لأبينا وولي نعمتنا صاحب الجلالة السلطان قابوس المعظم.
وختاما ,في نفسي شيء ٌ من حتى, وخلف ظهري أحمل الزاد لغدي وعيناي على بوابات وطني ورائحة ترابه تخلق أفكاري لهب. ان كان الممات سجلا حافلا بالعطاء, فليكن سجلي ابيض الكفن ثقيل الحمل لا أورثه الا لولدي الا لابنتي الا لأخي في المجد والترب .هم معيني قبل غياب الشمس وهم عيني حينما تنحل الوعود وتودع الكلمات في امهات الكتب. فليذكروا في سجلي انني أعطيت وقتي وفكري لأمي القلعة وابي الفلج وجدي العلم في أعلى الرتب. أنا العماني الذي جادت يده الكثير مبدئي جودة عملي لا  تعرفني الانجازات بالحسب ولا النسب. خذ مني ما شئت يا وطني , خذ ما استطيع وما لا استطيع ولكن, ابقي لي مكانا بجوارك حيث الشهب.

القصة , من التماهي الى الكيان (1)

رؤية سينمائية
هيثم سليمان
سيناريست سينمائي وتلفزيوني






يقول خبير الدراسات السينمائية والمدرس في كلية السوربون,  الفرنسي جان بول توروك " كل ٌ منا قادر على اختراع قصة. فإما أن يرويها شفويا واما أن يتركها نائمة فوق الورق , وهو ما لا يقتضي سوى توافر الخيال وليس بالضرورة كفاءات تقنية خاصة بكتابة السيناريو .لكن أغلب المبتدئين يواجهون صعوبة في خلق القصة وتأليفها حتى العثور على مضمون تخيلي في قصة أدبية أو درامية  لنقله الى الشاشة ". انطلاقا من هذا القول ومن الظروف الفنية والأدبية المحيطة بخلق القصة لتجهيزها كقالب يسمح بتداولها في هيئة سيناريو سينمائي , نجد أن كاتب السيناريو المبتدئ يستعجل نوعا ما وفي أغلب الأحيان اتمام حيثيات القصة الكاملة الجاهزة لذلك التداول فيقفز من مرحلة التكوين الى مرحلة التجهيز دون أن يكرس الكثير من الوقت والجهد في الجلوس مع قصته واكتشاف مكامن القوة والضعف فيها.

دعونا نتخيل القصة بكتلة من الصلصال اللدن. لنفترض أن الحياة هي قالب الصلصال الكبير الذي لا يتخذ شكلا معروفا أو محددا. هذا القالب مليء بملايين القصص والتي بدورها تشكل كيانا غير معرف في منظومة الحياة الاجتماعية لكثرة العناصر التي تدخل فيه من مختلف الثقافات والشعوب. انه من الجهل والاجحاف بمكان أن نقول أن العالم أصبح مجتمعا واحدا أو قرية صغيرة  حيث أن المزج الثقافي والسلوكي والمعرفي لمئات الشعوب التي يفرقها أكثر مما يجمعها – خصوصا في تضاربات العالم المعاصر وتوجهاته-  , هو مزيج غير محدد شكلا ولا مضمونا وانما كتلة واحدة من المختلف والغير مستقر. حسنا , لنكمل الربط بين هذا وذاك , سنقول أن كتلة الصلصال الكبيرة هي القالب المليء بالقصص المختلفة أو مسوغات بداية قصص على الأقل. يأتي كاتب السيناريو ليقتطع جزءا من هذا القالب الضخم .هذا الجزء هو احدى القصص التي قام بخلق بدايتها بناءا على عامل سببي أو مسوغ غامض قفز الى ذهنه واسترعى حواسه للانتباه له من أجل تقديمه في قالب فني قصصي. في هذه المرحلة ينبغي أن يعي كاتب السيناريو الهدف الذي يريد الوصول اليه من تشكيل قالب الصلصال ( القصة) قبل أن يبدأ بلمس القالب نفسه ولا أعني هنا الرسالة التي يود تقديمها من خلال القصة أو من خلال سيناريو الفيلم ككل فيما بعد. فمن الممكن جدا أن يختلف الهدف كل الاختلاف عن الرسالة التي يود الكاتب تقديمها. ولن ابالغ ان قلت أن أهدافنا ككتاب – شخصية كانت أم لا – قد تكون بمثابة القطب السالب لرسالة ذات قطب موجب في العمل الفني الذي نكتب. ويمكن ان يحدد الكاتب  ذلك الهدف في ورقة خارجية كمسودة يضع عليها بعضا من نواتج العصف الذهني المتعلق بتلك القصة في ذلك القالب. حيث يسطر الهدف الرئيسي من رغبته في تشكيل أو تداول القصة ويضع أسفله أهدافا أخرى فرعية ترتبط غالبا بأفكار مكتوبة ترتبط مباشرة بالمسوغ الذي في عقل الكاتب لتشكيل أو كتابة القصة. لنعتبرها عملية هندسية بحتة يخطط فيها الكاتب ويتخيل ويرسم هدفه من ايجاد تشكيل قصصي معين.

وبعد أن تجتمع العوامل المؤدية لوجود ذلك الهدف, يصبح الطريق الى بداية واضحة لتشكيل قالب الصلصال اياه أكثر منهجية ودقة حيث أن يدي الكاتب تكون متهيئة - على الأقل – لبدء أولى محاولات التشكيل التي لاشك أنها مشوبة بالتشويه في بعض جوانبها. هذه المرحلة سنتحدث عنها في المقال القادم بأذنه تعالى.

سلطنة عمان السيناريو الكبير-- الطبيعة ---

رؤية سينمائية
هيثم سليمان
سيناريست سينمائي وتلفزيوني





بعد أن تطرقت الى العامل الأول – الإرث-  من عوامل جذب كُتاب السيناريو للاشتغال على سلطنة عمان سينمائيا , سأكمل المشوار اليوم للحديث عن العامل الثاني والأخير و الذي هو ليس بغريب ولا بعيد عن الأعين الا لمن لم يزر سلطنة عمان من قبل أو لم يرها عبر وسائل الاعلام المختلفة.

من المعروف أن الطبيعة في بلد ما هي احدى مقومات الجذب السياحي كما أنها تشكل القالب الجاذب لاحتواء أي فنان واي عمل فني لاسيما ان توافر فيها من الجمال والاختلاف الشيء الكثير. لست بصدد شرح – لا مدح – كم هي جميلة طبيعة عُمان وماهي المناطق التي يمكن أن تسحر لب الزائز والمشاهد لأن مثل هذه الديباجات تتوفر وبشكل أجمل في كتب الدليل السياحي ومواقع الانترنت والخرائط الطبوغرافية الطبيعية ولكني أركز في حديثي في هذا المقال عن الجوهر الذي يميز طبيعة عمان عما جاورها من الأقاليم الا وهو الاختلاف.

بين السهل والجبل , البحر والصحراء , القفار والجبال الخضراء , الأودية والجزر الصغيرة , هنالك مشاهد يصعب أن تبقى حبيسة الفراغ أو تختبئ عن أعين الفنان. تلك العين التي تقدر فعلا تماهي الجمال في عالم متفرد تختلف تفاصيله وتتنوع , تتشعب وتتناثر في لوحات جميلة مرسومة بريشة مبدع أو صورة سرقت من جمال الوقت لحظة أو فيلما سينمائيا تتحدث فيه الصورة والمكان مع حوار الانسان. انها طبيعة عمان التي لطالما كانت وكما تزال تسحر لب كل من يراها فما بالك بمن يملك الحس الفني وما بالك بمن يجيد الاشتغال في الفن السابع كاتبا كان أم مخرجا.

انه ليس من باب المصادفة ولا المجاملة أن تأتي "بوليوود" مثلا لتصوير عدة افلام سينمائية في عُمان. وليس من داعي للاستغراب ولا للتندر – مثلما قد يتبادر الى ذهن بعض الجهلة -  ان قلت أن هوليوود ستحذو حذوها قريبا يوما ما في ظل البحث المستميت المحموم لمنتجي ومخرجي السينما الامريكية عن مواقع تصوير جديدة ومختلفة بعدما تشبعت الأفلام الامريكية –  التي لا تقع ضمن فئة الخيال العلمي المصنوعة بالتقنيات كليا-  وبشكل متكرر من مواقع التصوير التي استهلكت حتى لم يبق فيها تقريبا ما يمكن أن يصور. باب الصناعة السينمائية مفتوح ٌ على مصراعيه لا تقيده حدود جغرافية ولا رحلات طويلة بالطائرات طالما وجد الشغف والبحث عن الأجمل والأنسب.

ومثلما أقول أن عمان بطبيعتها الساحرة المتنوعة من مسندم الى ظفار قادرة على اجتذاب مخرجين ومنتجين وكتاب سيناريوهات من الخارج , أعود وأنوه الى أهمية أن تتلقف هذه الطبيعة وتتعامل معها بحرفية وحنكة أياد صناع سينما عمانيين يحيط يقبعون في جنة خصبة للاشتغال السينمائي اذ انه ليس من المنصف فعلا أن يأتي يوم يأخذ فيه صناع السينما العمانية حصة زهيدة من الاشتغال السينمائي العالمي على طبيعة سلطنة عمان سينمائيا .وهنا يأتي السؤال الذي لابد أن يأتي في مرحلة ما  " لماذا لا نزيد من جرعات كتاب السيناريو المشتغلين على موروث وطبيعة عُمان سينمائيا ؟ " هل هو تقاعس من هؤلاء الكتاب؟ هل هي صعوبات مؤسساتية ؟ هل هي عدم خبرة وكفاية للجود بنص جيد ؟

تتعدد الأسباب لكننا في طور الحصول على نتيجة واحدة عما قريب وأتمنى أن نكون نحن أحد الأطراف الأقوى فيها كمشتغلين سينمائيين فيها وليس مجرد حامل كاميرا ينتظر في الزاوية اشارة بإحضار الكاميرا.



نزوى تُثقِف سينمائيا

رؤية سينمائية
هيثم سليمان
سيناريست سينمائي وتلفزيوني






ليس بغريب على نزوى لباس العروس الجميل المطهم بلآلئ  ثقافية وفنية و الذي ترتديه هذه السنة كونها مثلت القلب السياسي النابض لسلطنة عمان قديما وها هي تواصل تمثيل الوطن حضاريا في ظل القيادة السامية لحضرة صاحب الجلالة السلطان قابوس حفظه الله ورعاه. تلك القيادة التي ضربت جذورها في عمق الجسد التراثي التاريخي لعُمان من جهة , واشرأبت بعنقها السامي الى سماء الحداثة في مزاوجة جميلة يندر أن تتكرر. فما أجمله من ثوب وما أجمل أن تكون بيضة الاسلام حاوية في صفارها هذه السنة عشرات وعشرات من المفكرين والأدباء والمؤرخين والسينمائيين قدموا لوضع بصمة ما يتذكرون بها هذه المدينة العظيمة ونحن معهم نعيش بشغفٍ وروحانية احتفالية نزوى عاصمة للثقافة الاسلامية.

ولأنه من الواجب لزاما أن نشيد جميعا بجهود الحكومة الرشيدة في تنظيم وتسيير هذه التظاهرة الضخمة , حق علينا ذكر بعض من تلك الجهود المتمثلة في سعي وزارة التراث والثقافة كمنظومة حكومية ثقافية لإخراج هذه التظاهرة بالصورة المشرفة التي تتناسب وضخامة الحدث وعراقة السلطنة بما تحتويه من ارث اسلامي عربي تركه اباء وأجداد عمانيين عظام عبر المسيرة التاريخية للوطن الأغر.

مدفوعة بأهمية التأكيد على أن الفنون  جزء لا يتجزأ من معالم التظاهرة الأغلى اسلاميا وعربيا , قامت الوزارة بتشكيل لجنة فنية يقودها مخضرمون عمانيون هم على قدر من الخبرة والمسؤولية .حيث كُلف كلٌ من الفاضل قاسم السليمي مدير انتاج أعمال درامية بالهيئة العامة للإذاعة والتلفزيون و الفاضلة لورا السيابية رئيسة قسم السيناريو بالوزارة والفاضل قاسم الريامي رئيس قسم المسرح والفاضل المخرج محمد الكندي بإدارة اللجنة الفنية لاحتفالية نزوى عاصمة للثقافة الاسلامية. ولم تألو اللجنة جهدا لاستقطاب وتفعيل مختلف البرامج الفنية على أرض الواقع وما ورشة صناعة الافلام الوثائقية التي أعلنت عنها اللجنة قبل بضعة اسابيع الا أحد هذه البرامج المهمة.

المخرج العالمي عهد بن سودة , المخرجة الفلسطينية تغريد سعادة , المخرج السينمائي رامي مرتضى والمخرج السينمائي محمد الكندي هم حملة لواء التعليم في هذه الدورة حيث أنه وعلى حسب برنامج الورشة سيقوم هؤلاء الأساتذة بإعطاء دروس ومحاضرات في كيفية صناعة الفيلم الوثائقي لعدد من هواة وطلاب الفن السابع بحيث يقوم هؤلاء المشاركون بصنع خمسة أفلام وثائقية تتحدث جميعها عن نزوى في نهاية الورشة التي ستفتح أبوابها مطلع شهر أبريل هذا العام وتنتهي بتأريخ الثامن والعشرين من الشهر نفسه. هذه الأفلام ستكون بمثابة توثيق جميل و محترف لنزوى المكان والحضارة مواكبا احتفال العالم الاسلامي بمدينة العلم والعلماء.

تبدأ الورشة برحلة تعريفية الى نزوى يترافق فيها المشاركون والمخرجون للتعرف على المدينة عن كثب ولمحاولة استسقاء أفكار خلاقة مبدعة لأفلامهم القادمة من خلال التواجد الحي في المدينة والاطلاع على معالمها وارثها الحضاري والاجتماعي. ومن اليوم الثاني بعيد الرحلة , ستبدأ سلسلة مكثفة من المحاضرات والحصص التعليمية النظرية والتطبيقية لتعليم هذه الصناعة المهمة التي نعقد عليها جميعا كسينمائيين عمانيا أمالا عريضة لاسيما مع التأريخ المشرف للسلطنة في مجال انتاج الأفلام التسجيلية والوثائقية. وبعد انتهاء النواحي التعليمية تأتي مرحلة تصوير وانتاج الافلام فعليا حيث سيتابع المحاضرون الاشراف على كافة مرحلة الصنع التي سيقوم بها المشاركون ابتداءً من مرحلة ما قبل الانتاج وحتى مرحلة التسليم.

اذن حسم الأمر , وأن الأوان لشبابنا العُماني الطامح الشغوف بعالم السينما أن ينتهز الفرصة الغالية و يتثقف سينمائيا بل وينخرط في بيئة عمل سينمائية ميدانية بإدارة خبراء في الصناعة قدموا وروحانية نزوى كعاصمة ثقافية اسلامية تدفعهم وحب وطيبة المجتمع العماني تحيطهم فأهلا بهم.