الجمعة، 12 يونيو 2015

عدسة على أيدولوجيا السينما العُمانية

رؤية سينمائية
هيثم سليمان
سيناريست سينمائي وتلفزيوني








السينما العُمانية وان كانت ذات مشوار اقصر من القصير جدا كنتاج لن تكون بعيدة عن خضم باقي الايدولوجيات التي نشأت وتماهت فيها السينما العربية والعالمية. اذ أن هنالك سمات مشتركة تتشارك فيها العُمانية مع نظيرتها العربية والعالمية كون الهاجس والهم السينمائي هو فضاء مشترك يعيشه جميع المشتغلين في الفن السابع حول العالم. وعندما نتحدث عن هذه الايدلوجيا نحن نتحدث عن أنماط وظواهر نشأت بعدة مسببات منها الجمهور والنظام والممارسات السينمائية. فهنالك الجمهور الذي يفضل كثيرا الأعمال السينمائية ذات الصبغة المحلية الخالصة والتوجه التقليدي كما يوجد القليل من النقيض ايضا وهنالك النظام الذي يتصف بالبيروقراطية وسلسلة من الشكليات والرسميات التي ماتزال تعيق الحرية السينمائية وهنالك الممارسات السينمائية كثقافة سينمائية ونضج سينمائي يكافح جاهدا للظهور بشكل أوضح للعيان داخليا وخارجيا. وهذه الأنماط والظواهر تعني كاتب السيناريو مثلما تعني بقية أطراف فريق صنع الفيلم السينمائي حيث يكاد هو العامل الأكثر تأثرا بها بل وتحويلا لها الى مخرجات ابداعية مختلفة المساق والقضايا .
مازلنا في السينما العُمانية نقدس تكدس السمعة السينمائية في الشخص الواحد , فنسمع عن الكاتب الفلاني المعروف الذي كتب السيناريو الفلاني وهو يتحمل تلقائيا سلبياته و ايجابياته وكأنها عملية مناظرة وتقييم لأداء هذا الكتاب ربما ليس انطلاقا من حسن أداءه من عدمه ولكن من السمعة التي كونها عبر مشواره قصيرا كان أم طويلا, تلك السمعة التي باتت وكأنها ماركة تخصه الى جانب غيره من المشتغلين السينمائيين كالمخرج والممثل وغيره كان مستحقا لها أم لا.
ومن الأنماط ايضا نقد وتقصي الرسالة التي جاء بها الكاتب في نصه. قالب الفن كرسالة ذات ابعاد اجتماعية تتداخل كثيرا مع أيقونات الارض والتأريخ. هذا القالب ما يزال يطغى على الأعمال الكتابية الفلمية لدينا ويبدو أن القالب الاخر وهو الفن للفن سيحتاج الى وقت طويل قد يمتد الى عقود ليظهر على الساحة بشكل أوضح وان كان هنالك من سلكوا هذا القالب منذ فترة أمثال المخضرم سما عيسى والكاتبة الموهوبة أمل السعيدي. وانه من بواعث  الاسف بلا شك أن يوجد هنالك تركيز لإبراز هذا الجانب من التوجه الايدلوجي في عمق السينما العمانية حيث نأتي متراجعين كثيرا في احلال وتداول النقد السينمائي المحترف لرسائل أعمالنا السينمائية بالرغم أنن نملك خبرات ليست بالهينة في هذا المجال أمثال المخضرم عبدالله حبيب  والناقد الرائع عبدالله خميس.
أما التمزق والتفرق في محتويات ومضامين المواضيع التي تتناولها السيناريوهات العُمانية فهو ملحوظ الى درجة ما وما يزال يحمل ذلك الصراع النمطي بين القديم والمستحدث – المستحدث الذي نراه نحن مستحدثا بينما غربا يأكل الدهر عليه ويشرب ربما – حيث من الخطأ في رأيي أن نعتقد أن السينما العمانية هي سينما المؤلف وسط خضم البيروقراطية والمحسوبية في اعتماد النصوص السينمائية للتجاوز مرحلة القراءة والنقد المحترف – ان اتيح له المجال اصلا – الى مرحلة الانتاج والتصنيع. مازلنا نمجد التراث والهوية في مواضيعنا المتداولة, ربما لأن هذا التوجه هو الأكثر قبولا – ويمشي حاله محليا – أكثر من اي توجه ابداعي أو استحداثي معين.
ولأننا لسنا  بذي المشوار الطويل في تأريخ السينما بعد ولسنا من أرباب النهضة السينمائية القائمة على وجود المدارس والحركات السينمائية المتعددة والحرة مثل فرنسا وأمريكا , تكاد الايدلوجية السائدة في فننا السابع هي ايدلوجية التكرار والتقليد والتفرق والسمعة الاحتكارية المدعومة بتوجه النظام السائد و لن تتغير معالم هذه الأيدولوجية الا بتغير المسببات الثلاث التي ذكرت سابقا. حينها فقط يُفتح المجال لكاتب السيناريو لإبراز هذه المعالم الجديدة.

الثلاثاء، 9 يونيو 2015

احتفالية الفيلم الوثائقي, ما بعد الحدث

رؤية سينمائية
هيثم سليمان
سيناريست سينمائي وتلفزيوني






تكاد تفصلنا أيام قلائل على انتهاء واحد من أهم واضخم الأحداث السينمائية على أرض السلطنة, احتفالية الفيلم الوثائقي التي تتبناها وتشرف عليها وزارة التراث والثقافة ممثلة في اللجنة الفنية للتظاهرة الاسلامية الكبيرة " نزوى عاصمة الثقافة الاسلامية ".وحيث أنني كنت أحد المشاركين وشاهد عيان على جميع مراحل هذه الاحتفالية المهمة ابتداء من خلق الأفكار وصولا الى تسليم الأعمال الى للجنة المنظمة , تكاد مشاعر مختلطة تعصف بداخلي وترادوني ألف فكرة ولكن يبقى السؤال الملح الذي يفترض ان يتمخض من وراء هذه الفعالية السينمائية الفنية , ماذا بعد الحدث ؟ أجل ماذا بعد انتهاء احتفالية الفيلم الوثائقي؟

وكإجابة لابد أن تحضر على هذا التساؤل ,لسان حالي يقول هنا أن هذه الاحتفالية تعتبر بمثابة المشروع صفر أو حجر الزاوية لمشاريع سينمائية وثائقية قادمة. اذ ان العصارة المعرفية السينمائية التي توغلت في مخيخ العقول العمانية الشابة المشاركة ف هذه الاحتفالية كافية الى حد بعيد لقيام قاعدة خبراتية مصغرة ينطلق من خلالها صناع الأفلام العمانيون لصنع المزيد والمزيد من الأفلام الوثائقية مستقبلا. ولم تكن الخطة المدروسة والنهج المتكامل اللذان اتبعتهما اللجنة الفنية لنزوى عاصمة للثقافة الاسلامية محض تفكير في الأن واللحظة. فمن خلال العملية التعليمية والتطبيقية الممنهجة التي سارت عليها الاحتفالية منذ انطلاقها وحتى الأن , نستشف وبشكل جلي رغبة الحكومة الملحة في تكوين جسد سينمائي وثائقي على أرض عُمان. جسدٌ قوامه شباب عمان رجالا ونساء لاسيما وهم يرتعون في وطن يرتبط أسمه بالثقافة والفن والموروث العريق افلا يتوجب حينها أن يكون هؤلاء هم حارسوا هذا القالب الحضاري وناشروه في شتى بقاع الأرض ؟ ولكن بقاء هذا الجسد السينمائي الوثائقي واستمرار شموخه مرهونٌ بعزائم صناع الأفلام المشاركون في هذه الاحتفالية, اذ يعول عليهم نشر ما تعلموه من خلال احتكاكهم بخبرات عالمية أعطتهم من المعين ما لا ينضب ومن الحب ما لا يتسع لأي قلب حمله. ولقد قالها أجدادنا العمانيون سابقا " يد واحدة لا تصفق ", اي نعم المرحلة الجديدة القادمة من عمر السينما الوثائقية في عمان مرهونة بعقول وأرواح الشباب وتقع عليهم المطرقة كما يقع عليهم السندان ولهم فن ادارة الرحى حسب تطلعاتهم وشغفهم وعشقهم للفن السينمائي  وليست عمان في مسيرتها الوثائقية بطفل يحبو على قدميه وانما مسيرة فنية حفلت بالكثير من الأفلام الوثائقية والتسجيلية. ما نرغب به الأن هو اكمال مسيرة العطاء. اكمال الدرب الذي عاهدنا أنفسنا فيه أن نكون على قدر المسؤولية وعظم الامانة في ظل الركب السامي لأبينا وولي نعمتنا صاحب الجلالة السلطان قابوس المعظم.
وختاما ,في نفسي شيء ٌ من حتى, وخلف ظهري أحمل الزاد لغدي وعيناي على بوابات وطني ورائحة ترابه تخلق أفكاري لهب. ان كان الممات سجلا حافلا بالعطاء, فليكن سجلي ابيض الكفن ثقيل الحمل لا أورثه الا لولدي الا لابنتي الا لأخي في المجد والترب .هم معيني قبل غياب الشمس وهم عيني حينما تنحل الوعود وتودع الكلمات في امهات الكتب. فليذكروا في سجلي انني أعطيت وقتي وفكري لأمي القلعة وابي الفلج وجدي العلم في أعلى الرتب. أنا العماني الذي جادت يده الكثير مبدئي جودة عملي لا  تعرفني الانجازات بالحسب ولا النسب. خذ مني ما شئت يا وطني , خذ ما استطيع وما لا استطيع ولكن, ابقي لي مكانا بجوارك حيث الشهب.

القصة , من التماهي الى الكيان (1)

رؤية سينمائية
هيثم سليمان
سيناريست سينمائي وتلفزيوني






يقول خبير الدراسات السينمائية والمدرس في كلية السوربون,  الفرنسي جان بول توروك " كل ٌ منا قادر على اختراع قصة. فإما أن يرويها شفويا واما أن يتركها نائمة فوق الورق , وهو ما لا يقتضي سوى توافر الخيال وليس بالضرورة كفاءات تقنية خاصة بكتابة السيناريو .لكن أغلب المبتدئين يواجهون صعوبة في خلق القصة وتأليفها حتى العثور على مضمون تخيلي في قصة أدبية أو درامية  لنقله الى الشاشة ". انطلاقا من هذا القول ومن الظروف الفنية والأدبية المحيطة بخلق القصة لتجهيزها كقالب يسمح بتداولها في هيئة سيناريو سينمائي , نجد أن كاتب السيناريو المبتدئ يستعجل نوعا ما وفي أغلب الأحيان اتمام حيثيات القصة الكاملة الجاهزة لذلك التداول فيقفز من مرحلة التكوين الى مرحلة التجهيز دون أن يكرس الكثير من الوقت والجهد في الجلوس مع قصته واكتشاف مكامن القوة والضعف فيها.

دعونا نتخيل القصة بكتلة من الصلصال اللدن. لنفترض أن الحياة هي قالب الصلصال الكبير الذي لا يتخذ شكلا معروفا أو محددا. هذا القالب مليء بملايين القصص والتي بدورها تشكل كيانا غير معرف في منظومة الحياة الاجتماعية لكثرة العناصر التي تدخل فيه من مختلف الثقافات والشعوب. انه من الجهل والاجحاف بمكان أن نقول أن العالم أصبح مجتمعا واحدا أو قرية صغيرة  حيث أن المزج الثقافي والسلوكي والمعرفي لمئات الشعوب التي يفرقها أكثر مما يجمعها – خصوصا في تضاربات العالم المعاصر وتوجهاته-  , هو مزيج غير محدد شكلا ولا مضمونا وانما كتلة واحدة من المختلف والغير مستقر. حسنا , لنكمل الربط بين هذا وذاك , سنقول أن كتلة الصلصال الكبيرة هي القالب المليء بالقصص المختلفة أو مسوغات بداية قصص على الأقل. يأتي كاتب السيناريو ليقتطع جزءا من هذا القالب الضخم .هذا الجزء هو احدى القصص التي قام بخلق بدايتها بناءا على عامل سببي أو مسوغ غامض قفز الى ذهنه واسترعى حواسه للانتباه له من أجل تقديمه في قالب فني قصصي. في هذه المرحلة ينبغي أن يعي كاتب السيناريو الهدف الذي يريد الوصول اليه من تشكيل قالب الصلصال ( القصة) قبل أن يبدأ بلمس القالب نفسه ولا أعني هنا الرسالة التي يود تقديمها من خلال القصة أو من خلال سيناريو الفيلم ككل فيما بعد. فمن الممكن جدا أن يختلف الهدف كل الاختلاف عن الرسالة التي يود الكاتب تقديمها. ولن ابالغ ان قلت أن أهدافنا ككتاب – شخصية كانت أم لا – قد تكون بمثابة القطب السالب لرسالة ذات قطب موجب في العمل الفني الذي نكتب. ويمكن ان يحدد الكاتب  ذلك الهدف في ورقة خارجية كمسودة يضع عليها بعضا من نواتج العصف الذهني المتعلق بتلك القصة في ذلك القالب. حيث يسطر الهدف الرئيسي من رغبته في تشكيل أو تداول القصة ويضع أسفله أهدافا أخرى فرعية ترتبط غالبا بأفكار مكتوبة ترتبط مباشرة بالمسوغ الذي في عقل الكاتب لتشكيل أو كتابة القصة. لنعتبرها عملية هندسية بحتة يخطط فيها الكاتب ويتخيل ويرسم هدفه من ايجاد تشكيل قصصي معين.

وبعد أن تجتمع العوامل المؤدية لوجود ذلك الهدف, يصبح الطريق الى بداية واضحة لتشكيل قالب الصلصال اياه أكثر منهجية ودقة حيث أن يدي الكاتب تكون متهيئة - على الأقل – لبدء أولى محاولات التشكيل التي لاشك أنها مشوبة بالتشويه في بعض جوانبها. هذه المرحلة سنتحدث عنها في المقال القادم بأذنه تعالى.

سلطنة عمان السيناريو الكبير-- الطبيعة ---

رؤية سينمائية
هيثم سليمان
سيناريست سينمائي وتلفزيوني





بعد أن تطرقت الى العامل الأول – الإرث-  من عوامل جذب كُتاب السيناريو للاشتغال على سلطنة عمان سينمائيا , سأكمل المشوار اليوم للحديث عن العامل الثاني والأخير و الذي هو ليس بغريب ولا بعيد عن الأعين الا لمن لم يزر سلطنة عمان من قبل أو لم يرها عبر وسائل الاعلام المختلفة.

من المعروف أن الطبيعة في بلد ما هي احدى مقومات الجذب السياحي كما أنها تشكل القالب الجاذب لاحتواء أي فنان واي عمل فني لاسيما ان توافر فيها من الجمال والاختلاف الشيء الكثير. لست بصدد شرح – لا مدح – كم هي جميلة طبيعة عُمان وماهي المناطق التي يمكن أن تسحر لب الزائز والمشاهد لأن مثل هذه الديباجات تتوفر وبشكل أجمل في كتب الدليل السياحي ومواقع الانترنت والخرائط الطبوغرافية الطبيعية ولكني أركز في حديثي في هذا المقال عن الجوهر الذي يميز طبيعة عمان عما جاورها من الأقاليم الا وهو الاختلاف.

بين السهل والجبل , البحر والصحراء , القفار والجبال الخضراء , الأودية والجزر الصغيرة , هنالك مشاهد يصعب أن تبقى حبيسة الفراغ أو تختبئ عن أعين الفنان. تلك العين التي تقدر فعلا تماهي الجمال في عالم متفرد تختلف تفاصيله وتتنوع , تتشعب وتتناثر في لوحات جميلة مرسومة بريشة مبدع أو صورة سرقت من جمال الوقت لحظة أو فيلما سينمائيا تتحدث فيه الصورة والمكان مع حوار الانسان. انها طبيعة عمان التي لطالما كانت وكما تزال تسحر لب كل من يراها فما بالك بمن يملك الحس الفني وما بالك بمن يجيد الاشتغال في الفن السابع كاتبا كان أم مخرجا.

انه ليس من باب المصادفة ولا المجاملة أن تأتي "بوليوود" مثلا لتصوير عدة افلام سينمائية في عُمان. وليس من داعي للاستغراب ولا للتندر – مثلما قد يتبادر الى ذهن بعض الجهلة -  ان قلت أن هوليوود ستحذو حذوها قريبا يوما ما في ظل البحث المستميت المحموم لمنتجي ومخرجي السينما الامريكية عن مواقع تصوير جديدة ومختلفة بعدما تشبعت الأفلام الامريكية –  التي لا تقع ضمن فئة الخيال العلمي المصنوعة بالتقنيات كليا-  وبشكل متكرر من مواقع التصوير التي استهلكت حتى لم يبق فيها تقريبا ما يمكن أن يصور. باب الصناعة السينمائية مفتوح ٌ على مصراعيه لا تقيده حدود جغرافية ولا رحلات طويلة بالطائرات طالما وجد الشغف والبحث عن الأجمل والأنسب.

ومثلما أقول أن عمان بطبيعتها الساحرة المتنوعة من مسندم الى ظفار قادرة على اجتذاب مخرجين ومنتجين وكتاب سيناريوهات من الخارج , أعود وأنوه الى أهمية أن تتلقف هذه الطبيعة وتتعامل معها بحرفية وحنكة أياد صناع سينما عمانيين يحيط يقبعون في جنة خصبة للاشتغال السينمائي اذ انه ليس من المنصف فعلا أن يأتي يوم يأخذ فيه صناع السينما العمانية حصة زهيدة من الاشتغال السينمائي العالمي على طبيعة سلطنة عمان سينمائيا .وهنا يأتي السؤال الذي لابد أن يأتي في مرحلة ما  " لماذا لا نزيد من جرعات كتاب السيناريو المشتغلين على موروث وطبيعة عُمان سينمائيا ؟ " هل هو تقاعس من هؤلاء الكتاب؟ هل هي صعوبات مؤسساتية ؟ هل هي عدم خبرة وكفاية للجود بنص جيد ؟

تتعدد الأسباب لكننا في طور الحصول على نتيجة واحدة عما قريب وأتمنى أن نكون نحن أحد الأطراف الأقوى فيها كمشتغلين سينمائيين فيها وليس مجرد حامل كاميرا ينتظر في الزاوية اشارة بإحضار الكاميرا.



نزوى تُثقِف سينمائيا

رؤية سينمائية
هيثم سليمان
سيناريست سينمائي وتلفزيوني






ليس بغريب على نزوى لباس العروس الجميل المطهم بلآلئ  ثقافية وفنية و الذي ترتديه هذه السنة كونها مثلت القلب السياسي النابض لسلطنة عمان قديما وها هي تواصل تمثيل الوطن حضاريا في ظل القيادة السامية لحضرة صاحب الجلالة السلطان قابوس حفظه الله ورعاه. تلك القيادة التي ضربت جذورها في عمق الجسد التراثي التاريخي لعُمان من جهة , واشرأبت بعنقها السامي الى سماء الحداثة في مزاوجة جميلة يندر أن تتكرر. فما أجمله من ثوب وما أجمل أن تكون بيضة الاسلام حاوية في صفارها هذه السنة عشرات وعشرات من المفكرين والأدباء والمؤرخين والسينمائيين قدموا لوضع بصمة ما يتذكرون بها هذه المدينة العظيمة ونحن معهم نعيش بشغفٍ وروحانية احتفالية نزوى عاصمة للثقافة الاسلامية.

ولأنه من الواجب لزاما أن نشيد جميعا بجهود الحكومة الرشيدة في تنظيم وتسيير هذه التظاهرة الضخمة , حق علينا ذكر بعض من تلك الجهود المتمثلة في سعي وزارة التراث والثقافة كمنظومة حكومية ثقافية لإخراج هذه التظاهرة بالصورة المشرفة التي تتناسب وضخامة الحدث وعراقة السلطنة بما تحتويه من ارث اسلامي عربي تركه اباء وأجداد عمانيين عظام عبر المسيرة التاريخية للوطن الأغر.

مدفوعة بأهمية التأكيد على أن الفنون  جزء لا يتجزأ من معالم التظاهرة الأغلى اسلاميا وعربيا , قامت الوزارة بتشكيل لجنة فنية يقودها مخضرمون عمانيون هم على قدر من الخبرة والمسؤولية .حيث كُلف كلٌ من الفاضل قاسم السليمي مدير انتاج أعمال درامية بالهيئة العامة للإذاعة والتلفزيون و الفاضلة لورا السيابية رئيسة قسم السيناريو بالوزارة والفاضل قاسم الريامي رئيس قسم المسرح والفاضل المخرج محمد الكندي بإدارة اللجنة الفنية لاحتفالية نزوى عاصمة للثقافة الاسلامية. ولم تألو اللجنة جهدا لاستقطاب وتفعيل مختلف البرامج الفنية على أرض الواقع وما ورشة صناعة الافلام الوثائقية التي أعلنت عنها اللجنة قبل بضعة اسابيع الا أحد هذه البرامج المهمة.

المخرج العالمي عهد بن سودة , المخرجة الفلسطينية تغريد سعادة , المخرج السينمائي رامي مرتضى والمخرج السينمائي محمد الكندي هم حملة لواء التعليم في هذه الدورة حيث أنه وعلى حسب برنامج الورشة سيقوم هؤلاء الأساتذة بإعطاء دروس ومحاضرات في كيفية صناعة الفيلم الوثائقي لعدد من هواة وطلاب الفن السابع بحيث يقوم هؤلاء المشاركون بصنع خمسة أفلام وثائقية تتحدث جميعها عن نزوى في نهاية الورشة التي ستفتح أبوابها مطلع شهر أبريل هذا العام وتنتهي بتأريخ الثامن والعشرين من الشهر نفسه. هذه الأفلام ستكون بمثابة توثيق جميل و محترف لنزوى المكان والحضارة مواكبا احتفال العالم الاسلامي بمدينة العلم والعلماء.

تبدأ الورشة برحلة تعريفية الى نزوى يترافق فيها المشاركون والمخرجون للتعرف على المدينة عن كثب ولمحاولة استسقاء أفكار خلاقة مبدعة لأفلامهم القادمة من خلال التواجد الحي في المدينة والاطلاع على معالمها وارثها الحضاري والاجتماعي. ومن اليوم الثاني بعيد الرحلة , ستبدأ سلسلة مكثفة من المحاضرات والحصص التعليمية النظرية والتطبيقية لتعليم هذه الصناعة المهمة التي نعقد عليها جميعا كسينمائيين عمانيا أمالا عريضة لاسيما مع التأريخ المشرف للسلطنة في مجال انتاج الأفلام التسجيلية والوثائقية. وبعد انتهاء النواحي التعليمية تأتي مرحلة تصوير وانتاج الافلام فعليا حيث سيتابع المحاضرون الاشراف على كافة مرحلة الصنع التي سيقوم بها المشاركون ابتداءً من مرحلة ما قبل الانتاج وحتى مرحلة التسليم.

اذن حسم الأمر , وأن الأوان لشبابنا العُماني الطامح الشغوف بعالم السينما أن ينتهز الفرصة الغالية و يتثقف سينمائيا بل وينخرط في بيئة عمل سينمائية ميدانية بإدارة خبراء في الصناعة قدموا وروحانية نزوى كعاصمة ثقافية اسلامية تدفعهم وحب وطيبة المجتمع العماني تحيطهم فأهلا بهم.

 

سلطنة عُمان السيناريو الكبير --- الارث --

رؤية سينمائية
هيثم سليمان
سيناريست سينمائي وتلفزيوني







خلال هذا المقال والذي يليه سأتطرق وبشكل مختصر الى موضوع تسخير كاتب السيناريو - سواء كان عمانيا أم لا-  لسلطنة عمان كتواجد وحضارة في نصوصه السينمائية. سيكون القسم الأول من هذا الموضوع منصبا في عنصر كامن مستفيض يكاد يستحيل انفصاله عن السلطنة ذات التاريخ العريق ألا وهو الارث. يُعرف الارث في اللغة بأنه انتقال الشيء من شخص الى أخر أو من قوم الى قوم .ويقسم الى ثلاثة اقسام وهم المورِث , وهو المصدر الذي أتى منه الشيء الذي سيورث , الوارث وهو الانسان أو القوم الذين سيرثون الشيء وأخيرا المورَث وهو الشيء الذي سينتقل أو سيورث للغير.
واذا أتينا لمطابقة ما ذكر على محتوى موضوعنا اليوم, سنجد أن المورِث هم الإباء والأجداد العمانيون الذي يورِثُون ما لديهم من تقاليد وأعراف وعلوم الى الوارِث الذي هو بطبيعة الحال الانسان العماني الذي يأتي بعدهم جيلا بعد جيل. اذن الارث العُماني هو نمط حضارة تنتقل فيه المعرفة والسلوك المجتمعي شأنه شأن أي ارث في العالم على مدى تأريخ البشرية الطويل حيث أن الارث ما هو الا عبارة عن مشروعٍ حضاري قومي طويل الأمد يستمر لقرون وقرون. ولكن, ولأن سلطنة عمان تنصف عالميا ضمن المشاريع الحضارية الانسانية الموغلة في القدم , يأتي أرثها مغايرا وبشكل جذري عمن سواها من الأقاليم في العالم وحتى عن تلك المشاريع الحضارية المجاورة له جغرافيا.
مكونات وعناصر الارث العُماني لطالما اتسمت بالتفرد والتمكن عبر مسيرته العريقة. نجد القلعة والفلج , اللبان والسعف ,الكتاب والفكر ,الزي والسلوك وغيرها من العناصر الذي كونت الجسد الحضاري للإرث العُماني. وحينما نقول أن الفيلم السينمائي يمكن أن يعرف وبشكل أساسي على أنه استوديو يتجسد فيه انسان وزمان ومكان وجمادات اذن نحن نعي تماما أن كل هذه المكونات تتداخل وبشكل منطقي ومباشر مع ما يتواجد مع هذا الانسان في هذا الاستوديو. لذلك وباعتقاد وايمان ٍ شديد, لن يجد كاتب السيناريو قالبا حضاريا جاهزا للتناول والطرح مثلما سيجد في الارث العُماني واقولها استنادا على شهادة الكثير من المخرجين والكتاب الذين وطئوا أرض السلطنة و أتيحت لهم الفرصة للتجوال في بعض مكامن هذا الارث واستنشاق عبقه والتغني به لاحقا.
فحينما ترى أيها الكاتب قلعة ً عمانية – بكامل محتواها الحضاري والفني- ستتبادر الى ذهنك وخيالك الفني الرفيع قصة ما , أطيافُ من حدث وأحاديث جرت في تلك القلعة. أحدهم يرمي, أحدهم يدافع, أحدهم ينشر علما ما وأحدهم يشيد ويبني. وحينما تسمح لماء الفلج بمداعبة وجهك وأنت ترتشف بضع قطرات من ماءه العذب لاشك أن هاجس الفضول سينتابك لتعرف سر هذه الأعجوبة المعمارية الحضارية التي ميزت الانسان العماني والتي بدورها تشكل محتوىً قصصي جميل لعشرات وعشرات الحكايات. وبينما تقعد هناك بجوار شجرة لبان مع أحد السكان المحليين بعيدا عن غوغاء ونزعات التمدن وصخب المستحدث ستدرك تماما بأن هنالك حكايات ما خبئها الزمن لأوانها تنتظر المبدع الذي سيخرجها الى النور لتحكي ماذا هناك ولماذا هناك ومع من هناك .
وما هذه الامثلة الثلاثة الا نزرُ يسير جدا من ارث ضخم جدا يقبع بانتظار من ينهل من بحره ليوثقه الى العالم عبر الفن السابع الذي يُعد أجمل وافضل وسيلة لتوثيق حاضرتنا كبشر. أحيي وبشدة الكاتب الذي يحرص على أن ينقل ارث الوطن بشكل مشرف أصيل به سمة التجديد كفن وكتداول.

ماذا عن حصن الرمال؟

رؤية سينمائية
هيثم سليمان
سيناريست سينمائي وتلفزيوني






السيناريو السينمائي هو احدى ملكات ابداع كاتب السيناريو. كما أنه يعد أجمل الفنون التي تعنى بعمل مطابقة افتراضية بين المقصوص والمنظور , ومن هذا المنطلق , يحرص كاتب السيناريو الجيد أن يقدم نصا سينمائيا جميلا مبتكرا وقوي الايحاء والوقع في نفس القارئ ومن ثم مشاهد الفيلم لاحقا. وهذا الحرص يتجلى في كثرة التجارب وامتداد التنقيح والتصويب والتغيير في النص نفسه. حيث يخوض الكاتب ذلك التحدي الجميل مع نفسه و الذي أسميه " حصن الرمال ".
مثلما نشاهد الطفل على شاطئ البحر وهو يقوم ببناء حصن أو قلعة قوامها الماء ورمال الشاطئ فيعدل هنا وهناك في زوايا الحصن الرملي اياه حتى يصل الى الشكل والبناء الذي يرضيه ثم يندفع بكل حماسة وغبطة ليخبر اباه عن ما أنجزته يداه.
تماما هكذا كاتب السيناريو في تعامله مع نصه السينمائي. هو يبني السيناريو بأدواته الجميلة ويحرص على أن يغير فيه ويضيف ويعدل ويطور. ربما في الفكرة الرئيسة التي تدور حولها قصة الفيلم وربما في توزيع المشاهد, بداياتها أو نهاياتها وربما في جودة الحوار وتعميقه وربما في رسم صور أكثر جمالية تعطي مشاهد الفيلم لاحقا الاحساس بالزمان والمكان .وربما يكون التطوير في طريقة تناول القضية المطروحة اذا ما كان ثمة قضية للطرح والنقاش.
في أثناء كتابة السيناريو لاشك أن هنالك معمعة من الأفكار تعصف في ذهن الكاتب تضاهي تلك الأفكار التي كانت تجلجل عقله وفكره أثناء العصف الذهني في بداية مشروع النص. وهذه الأفكار قد تتضاءل قوتها أحيانا حينما يندمج الكاتب في رسم مشاهده واحدا تلو الأخر وتقترب من الضعف والهشاشة حين الاقتراب من رسم المشاهد الأخيرة – اذا ما كان الكاتب يسير على مخطط مسبق رسم فيه الخطوط الدرامية والعناصر الأخرى للنص-  لذلك يستحسن دائما أن يتوقف الكاتب لبعض الوقت بعد الانتهاء من المسودة الأولى لنصه .
لا بأس في ترك النص لعدة ايام دون المساس وحتى التفكير به .ليتركه هناك بعد المسودة الأولى .هي فرصة ليبتعد عن النص ويجدد انتعاشه بما كتب. ثم يعود اليه مرة أخرى ليقرأه كاملا. لاشك أن هذه العودة ستضيف شيئا ما كثر أم قل للنص الذي كتب. فعندما نرى حصن الرمال الذي صنعنا لأول مرة و من زاوية واحدة لاشك أننا لن ننتبه الى ثغرة ما تركت هنا أو تشويه استقر في احدى اركانه. وكذا كاتب السيناريو عندما يعود الى نصه بعد المسودة الأولى , يرقع المقطوع ويملأ المثقوب ويحسن المشوه وفي أحيان أخرى يعيد بناء ركن كامل من أركان النص ليجعله بشكل أجمل وأفضل. واذا كانت المسودة الثانية أجمل من نسختها السابقة, فلا شك أن المسودة الثالثة ستكون أجمل من الثانية لأنها تؤكد حرص الكاتب على اكتمال ابداعه وبحثه عن أوجه الكمال في نصه الذي يكتب.
هنالك سيناريوهات سينمائية حول العالم أستغرق كتابها سنوات طوال لكتابتها وبعضها وصل الى المسودة الخمسين وأكثر. فرحلة كتابة السيناريو رحلة طويلة, قد تكون مرهقة لكنها جميلة وممتعة ولن تجد كاتبا بارعا يحب هذا الفن الجميل الا وأخبرك كم هو ممتع ٌ الجلوس مع السيناريو الذي كتب مرة واثنتان وثلاث وعشر فقط لكي يخرج بالصورة التي ترضيه. انه التحدي الذي لا يقارع فيه الكاتب سوى نفسه حيث يثبت في كل مسودة أنه قادر على هزيمة نفسه والخروج بأقصى ما لديها. ولكم هو جميل حصن الرمال حينما تراه الأعين جميلا.

الثقافة عندما نختصرها في حدث

رؤية سينمائية
هيثم سليمان
سيناريست سينمائي وتلفزيوني





موضوع اليوم ليس سينمائيا بحتا. هو بلا شك يمت بصلة الى القصة التي هي المصدر الاساسي لكاتب السيناريو السينمائي وعلى نفس القافية سبق وأن قلت ان مصادر القصة كثيرة ومنها الرواية. وهنا اضع نقطة في هذا الربط السريع لا بدأ في الحديث عن الثقافة التي تقدمها القصة أو الرواية للقارئ  الذي يمكن أن يكون كاتب السيناريو أحد قراء هذا الميدان الأدبي في النهاية.

الثقافة , ذلك المخزون المعرفي والسلوكي الذي يكتسبه الانسان من عدة مصادر ومن ضمنها القصة. وعند هذه النقطة استرجع حديثا خضته بالأمس مع " اسماء الرحبي" , احدى الزميلات القارئات النهمات نوعا ما للأدب المقروء وقد كان حديثنا يدور حول مقدار الكم الثقافي المعلوماتي الذي يكتسبه الجيل الحالي من قراءة روايات معاصرة لكتاب عرب – خليجين على وجه الأخص- وهل هذا الكم يقارن بالكم الذي يكتسبه قراء روايات الكتاب القدماء أو أولئك الجدد المحافظين على قالب المحتوى الثقافي الذي سلكه القدماء منهم. ولقد جرنا الحديث الى التساؤل, هل يقرأ الجيل الحالي الكتاب الفلاني لأنه يحب أن يقرأ الكتاب الفلاني اياه أو لأنه يريد أن يستفيد منه. وهذا التساؤل جاء بشكل ممهد على خلفية نقاشنا حول القيمة الثقافية المعرفية التي تقدمها روايات وكتب هذا الزمن. خصوصا وفي وقت أصبح فيه الجيل الحالي يعتبر الرواية المصدر الأول – ولا ابالغ هنا – في الحصول على الثقافة والمعرفة حيث أن القالب الجديد للرواية أسهل ولا يتسم بالزخم المعلوماتي والتفاصيل الكثيرة والدخول في بواطن الأمور. واذا كان هذا الجيل يعتمد على روايات العصر الحديث ذو نمط – الحدث هو الأهم وباقي التفاصيل والمعلومات ليست مهمة –فتلك مصيبة ووبال على مستقبل ثقافة الجيل الحالي وربما الذي يليه ايضا.

في روايات وأعمال لكبار الكتاب القدماء والمعاصرين المحافظين أمثال طه حسين وجبران خليل جبران وأحلام مستغانمي أو عبده الخال , نلاحظ اهتمام هؤلاء الكتاب بتقديم ثقافة مكان وثقافة شعب وثقافة شخصيات في المحتوى القصصي الذي يقدمونه. هم يعرضون الكثير من التفاصيل والدواخل التي تثقف حس ووعي القارئ بل ويتعدونها الى امداده بمعلومات معرفية جغرافية, اجتماعية, نفسية...الخ لم يكن القارئ يعرفها من قبل. اذن هم خرجوا من اطار وصف المشاعر والاحداث او مجرد سرد القصة باللغة السهلة الى هدف أسمى وأهم الا وهو الحرص على تثقيف القارئ العربي .وعلى سبيل المثال, أتذكر ايام دراستي الجامعية انكبابي على قراءة أعمال الكاتب المصري نبيل فاروق ولا أخفيكم سرا أن خمسين بالمئة من ثقافتي الحالية – المتواضعة – هي نتاج لقراءة أعمال هذا الكاتب الفذ حيث أنه يورد حواشيا وهوامشا لتفسير معلومة أو لذكر معلومة. اذن هو يثقف ويسرد في أن واحد.


بينما نلاحظ أن روايات الكتاب المعاصرين الخليجين منهم على وجه الأخص وفي ظل ظاهرة " قصص المنتديات" التي يقوم اصحابها بإنزال أجزاء من روايته كل يوم أو كل فترة زمنية محددة. هذا النوع المعاصر من الأدب المقروء يركز غالبا على تقديم القصة في محتوى سردي يهتم بالحدث. ماذا جرى وكيف جرى وماذا كانت الخاتمة دون أن يهتم كثيرا بتقديم ثقافة معرفية مكانية وسلوكية للقارئ. نفس القارئ الذي اصبح يلتهم الروايات المعاصرة  التهاما لحبه لها أولا وظنا منه أنها مصدر مهم لاكتساب الثقافة ثانيا ,  مبتعدا عن قراءة الكتب الأخرى – الغير روائية - .اصبحنا نعاني مشكلة تتفاقم يوما بعد يوم الا وهي عزوف الشباب العربي القارئ عن مصادر الكتب المعرفية الأخرى وتركيزه على الروايات المعاصرة لاكتساب ثقافة أو لفهم منظور ما في الحياة. وختاما مازلت أكرر نفس التساؤل يا اسماء , هل نحن نقرأ الكتاب لأننا نحب قراءته أم لأننا نود أن نستفيد من قراءته ؟

مبادرة الموسوعة الصحافية السينمائية العُمانية

رؤية سينمائية
هيثم سليمان
سيناريست سينمائي وتلفزيوني





قبل عدة اسابيع بدأت معكم مشروع تواجد مبادرة صحافية سينمائية  والتي تناولت وسأتناول فيها بحوله تعالى  بين المقال والأخر في زاويتكم السينمائية الأسبوعية , أحدى التجارب السينمائية العمانية القصيرة لأسلط الضوء عليها بمصباح سينمائي قوامه رؤية سينمائية فنية وأدبية قدر المستطاع أخذا نصب عيني هدف وجود موسوعة صحافية وان صغرت عن اجتهادات الشباب العماني في الاشتغال بالحقل السينمائي.
 أن من حق الأجيال العمانية الحالية والقادمة أن تعرف عن نتاجات شبابنا العماني. وأن تعرف أيضا من هم أولئك الجنود الحقيقيون الذين أوصلوا السينما العمانية - فئة الأفلام القصيرة-  الى الوسط المحيط خليجيا وعربيا وعالميا بعيدا عن التطبيل الاعلامي الذي يقام لأعمال الكبار – سنا  وليس انتاجا – وجميع الوقائع التي رافقت قيام السينما العمانية في السلطنة تشهد بأن سينما عمان كإنجاز يستحق الاشادة العادلة اقليميا هو انجاز شبابي بحت. أنها مبادرة اؤمن كثيرا أن لابد لها أن تتواجد لنحفظ أرثنا السينمائي الشبابي الذي صنعناه لسنوات قليلة قبل أن يضيع هنا وهناك ويصبح اثرا بعد عين لنأتي في يوم ما مستقبلا لنستمع الى جماهير الأجيال الجديدة وهي تتساءل " ماذا فعلتم أنتم ؟ لم نسمع عنكم ".

أجل , حريٌ بنا نحن المشتغلون الشباب في الفن السابع أن نوثق أعمالنا بصريا وكتابيا لكي يعرف عنها الأخرون. ان كنا سننتظر غيرنا لنفعل ذلك, لنكن على ثقة بأن غيرنا لن يفعل وان فعل فلن يعطيها حقها من التوثيق والاهتمام. لذلك جاء المشروع باسم المبادرة, هي بادرة من صميم أرواح قلوب وعقول صناع السينما العمانية الشباب لتوثيق ما قاموا به حتى الأن.

وقد يتساءل الكثير عن مدى جدوى خروج هذه الموسوعة الى النور خصوصا في خضم قلة الافلام السينمائية القصيرة المنتجة. وتأتي الإجابة بنعم هنالك جدوى عظيمة من وراء خروجها للنور. أولا, هي فرصة كبيرة وخلاقة للتعرف على الجهود التي يبذلها الشباب العماني في مختلف محافظات السلطنة في الاشتغال السينمائي. حيث ان واقعنا السينمائي  العماني ما يزال يعاني – وبمعرفة الجميع من جهات وافراد- من ظاهرة تشرذم الجهود السينمائية, تلك الظاهرة التي تحدثت عنها في بدايات هذه الزاوية وما زلت من أشد الممتعضين منها. حينما يقرأ ويتعرف صانع الفيلم الشاب على جهود غيره من الشباب لابد أن هذا سيحرك فيه مكامن روح المنافسة للتجويد والتطوير وربما محاولة التعرف على تجارب هؤلاء الشباب ومن ثم الدخول معهم في أعمال مشتركة في المستقبل. ثانيا ,هنالك العشرات من الأفلام العُمانية القصيرة من فئة الشباب و التي انتجت على مدار السنوات الماضية خصوصا مع ثورة أدوات صنع الأفلام من كاميرات وبرامج مونتاج وأجهزة صوتيات...الخ. هذه العشرات من الأفلام حضي الكثير منها بفرصة الظهور اقليميا كما كرم العديد منها  وعالميا  افلا تكفي أن تُضمن في موسوعة للحديث عنها والوقف عليها ؟ ثالثا , وفي ظل ندرة الكتب العُمانية التي تتناول الفن السينمائي وحاجتنا الماسة كقراء ومثقفين ومشتغلين في الفن السابع لتواجد أدب سينمائي عماني مقروء يتحدث عن السينما في عمان وخصوصية السينما في عمان أوليس من الجميل أن نعطي الاهتمام المثمر لهذا الجانب ونسهم في مد السوق المعرفي العماني بكتب سينمائية كما نفعل في الشعر والمسرح والقصة وغيرها من صنوف الفن والأدب ؟

من خلال هذه الزاوية المتواضعة أوجه نداءا محبا لأخواني الشباب العماني صناع الافلام الى التكاتف والمساهمة في قيام هذه الموسوعة. دعونا نتعلم من بعضنا , دعونا نري إنجازاتنا لبعضنا ولغيرنا. دعونا نفتخر بدور الشباب العماني في قيام نهضة سينمائية في عمان.

القصة المصدر لكاتب السيناريو

رؤية سينمائية
هيثم سليمان
سيناريست سينمائي وتلفزيوني







في خضم وتيرة الحياة المتسارعة التي نعيشها هنالك تقلبات وأحداث متعددة , منها الاجتماعي البحت ومنها السياسي ومنها الاقتصادي ومنها الديني البحت أيضا وهلم جرا. و كلٌ منا يعيش ويرى هذه الأحداث بعينه وفكره. وعندما يضطلع أحدهم بنقل وترجمة تلك الأحداث الينا جميعا عبر الورق يصبح بذلك رسولا لأدب الورق, الأدب المقروء.

وكاتب السيناريو أحد هؤلاء الرسل الذين يضطلعون بمد جسر أثيري بين تلك الأحداث وبين المرئي للجماهير, جسرٌ قوامه الصوت والصورة. حيث تشكل القصة بأحداثها المختلفة مركز الذرة أو البنية الاساسية لكاتب السيناريو. منها يفهم وينطلق ومنها يوصل فكرته الى الجمهور المتلقي ومنها تتكشف الرسالة التي يرغب في تقديمها اذا ما كان من ثمة رسالة ما يتناولها قلمه. فمن القصة يستوحي الكاتب الالهام الذي يحرك فيه ملكات الابداع. ومن القصة يرسم الكاتب في عقله مخطط الأحداث التي سوف تتواجد على صفحات نص السيناريو. ومن القصة أيضا يستنبط الكاتب جمالية الصورة التي سوف يقدمها - اذ أننا وبطبيعة الحال عندما نستمع الى قصة ما أو نقرأ قصة ما مشوقة أو تلامس واقعا أو دواخلا فينا, نبدأ في رسم صور تخيلية لأحداث تلك القصة- وهذه أحدى أسمى العطاءات التي تقدمها القصة لكاتب السيناريو, الصورة الجميلة المبدعة التي يتفاعل معها من يراها.

والقالب القصصي كفن, يساعد كثيرا كاتب السيناريو في الجانب الفني لكتابة السيناريو. بمعنى أن للقصة بداية ونهاية ( مفتوحة كانت أم لا) وزمانا ومكانا وشخصيات وحبكة وعقدة وصراع تماما مثلما هو الحال في نص السيناريو. فمن الجميل جدا أن يكون هذا التقارب الفني بين القصة وبين السيناريو ( القصة الخالية السرد المكتوبة حوارا وصورة وحركة ) عاملا مساعدا وبطريقة مباشرة في انجاز السيناريو السينمائي .

القصة هي الطفل الصغير الذي ينشأ في رحم السيناريو. علاقة انسجام وتوافق فكلاهما يكمل الأخر. وكلما كانت القصة قوية المعنى عميقة التأثير كلما كان السيناريو قوي الصورة عميق الحوار شيق المشاهد.

ومن هذا المنطلق, وجب على كاتب السيناريو الحرص كل الحرص في انتقاء القصة التي يود الكتابة عنها. هي مصدر الهامه ولاحقا ألهام من سيرى فيلمه على الشاشة لذا وجب أن ينتقي الأفضل والاقرب ملامسة للمشاهد الانسان. ويأتي شكل مصدر القصص في قالب رواية أو حكاية شعبيه تتناقلها الألسن أو خبرا أو قصة في مجلة أو صحيفة أو حتى خبرا مدويا يتناقله الانسان تمكث خلفه قصة ملهمة واعدة الى جانب أشكال أخرى من القصص ومنها الموسيقى. أجل الموسيقى التي تخلق لنا قصصا وأحداثا في أذهاننا ونحن نستمع اليها ولقد سبق وأن تحدثت عن التأثير الموسيقي في خلق القصص في مقال سابق من هذ العمود. وهنالك شكل أخر يعتمد على وجود عمل سينمائي أخر يوحي بقصة ما مغايرة تصلح لإعادة انتاجها سينمائيا
وهذا الحرص في انتقاء القصة مصدر السيناريو يعتمد كثيرا على ذائقة وفكر الكاتب نفسه ومدى تحسسه لواقع المجتمع ورغبته في الطرح الجيد لهذا الواقع. وكلما كان كاتب السيناريو مثقفا قارئا متابعا ومنوعا في فكره وأساليب اكتسابه للمعرفة, كلما كان انتقاءه أجمل وأكثر حرصا. اذن هي معادلة أخذ وعطاء. لكي تحصل على الجيد يجب أن تتعب وتبحث عن الجيد. وما الافلام المؤثرة والرائعة التي نشاهدها بين الفينة والأخرى الا نتاج لانتقاء قصصي جميل أو خلق قصصي مبدع جديد ايضا ساهم فيه كاتب جيد ومنتج جيد ومخرج جيد اضافة الى فريق عمل جيد بطبيعة الحال