الثلاثاء، 9 يونيو 2015

نماذج من السينما العُمانية الشابة "خالد" وجود, تقمص واختيار

رؤية سينمائية
هيثم سليمان
سيناريست سينمائي وتلفزيوني






أتابع معكم المشوار الذي بدأته الأسبوع المنصرم حيث أتحدث عن أولى النماذج السينمائية العمانية الشابة المتثملة في الفيلم القصير " خالد" للمخرج الشاب عيسى الصبحي. أدع أفكاري الأن تنساب واياكم في التشارك بالرؤية الفنية للعمل نفسه.

خالد كوجود.سبق وأن شاهدنا كثيرا افلاما تتحدث عن واقع ومعاناة الفئة العاملة الكادحة في المجتمع .مجملها أتى في قالب توعوي ذو رسائل وعظية الى المجتمع المحيط اما تنبيها واما ادرارا للتعاطف والشفقة مع هذه الفئة – التي برأئي من البدهي أن تعامل كسائر الفئات الأخرى-. لكن مخرج العمل غاص وبشكل جيد وبفكر عبقري عميقا وبعيدا عن سطح الوعظ والتوعية  ليتخذ خشبة المسرح,  ذلك العالم الذي تمر على خشبته العوالم والكيانات ليسبر أغوار الجانب الانساني الموجود في شخصية خالد عامل النظافة.والمشاهد للفيلم سيدرك تماما هيمنة الوجود الانساني لكيان خالد كانسان داخل الفيلم حتى من خلال اقدامه على الوقوف على خشبة المسرح وبدء سلسلة التخيلات الوجودية.تلك الهيمنة الوجودية التي تتعدى أدورانا في الحياة والاقدار التي نسلكها.خالد وقف على خشبة المسرح كانسان بكل بساطة وبشكل تجريدي  ابتعد فيه المخرج عن الميلودراما المسيلة للدموع ولكم تمنيت أن يبعد العنصر الموسيقى في مرحلة الوجود هذه في لحظات صعود خالد الى الخشبة لكنني من جهة أخرى أحسبها كنطقة تفوق حينما سخر هذا العنصر للمرحلة التالية الا وهي التقمص.


خالد كتقمص.يبرز اهتمام المخرج بالعنصر الموسيقي بشكل خاص وقد تجلى تاثير هذا العنصر في العمل ككل لحظة صعود قدمي خالد سلم خشبة المسرح حيث جاء الصعود متسقا مع رقي وتطلع الانسان الى المجهول المحبب أو الغامض المثير للتردد.يصعد خالد الى خشبة المسرح وبارتدائه للمعطف والقبعة يبدأ المخرج في اخذنا الى الواقع الشخصي لخالد, أمال طموحات, معاناة وحياة قد يظنها المتابع العادي هي خيال وتقمص لشخصية يطمح خالد في أن يعيشها لكن المتابع الفطن سيدرك أن خالد عامل النظافة هو الشخصية المتقمصة لكن خالد في الخيالات وشطوح الأفكار هي الشخصية الاصلية.وأقول هذا من منطلق أن حرية الانسان وكرامته وحقوقه في العيش بسعادة بين الأخرين هي واقع ٌ مفترض لا تقمص أو اصطناع.المخرج هنا يثير حواسنا للتساؤل, ماهي حدود أحقيتنا في الواقع الذي يفترض أن نحياه مع أنفسنا ومع من حولنا؟ هل حقوق الانسان المتمثلة في الأمن , الغذاء, الصحة, المعاملة الحسنة والتقدير من منطلق الثواب على قدر العطاء ضمن منظومة العائلة كركيزة اجتماعية  والمجتمع المحيط كنظام اجتماعي هي حقوق عرضة لأن تكون مجرد أوهام أو خيالات تتسلى الانظمة البشرية في التلاعب بها وتسخيرها في عالم متضارب بالتالي تسمح للاطراف المستضعفة بابداء رغبات التنمر والسيطرة والانقلاب عقب الشعور بالاضطهاد وهذا مانراه في احدى مشاهد الفيلم؟ وفي خضم هذه القالب, هل هنالك حق للانسان في الاختيار ؟ والسؤال الاخير يقودني الى مرحلة الاختيار في الفيلم.


خالد كاختيار.في نهاية الفيلم وفي منغومة راقصة جسدية ايحائية يقوم خالد بنثر محتويات كيس القمامة على الخشبة بينما يندمج مبتسما في خيالاته الواقعية.يأتي المشرف المسؤل عن الخشبة ويطلب منه تجميع مارماه من قمامة لكنه يرفض الانصياع له ويرمي له بمكنسة التنظيف ليغادر الخشبة مبتسما في لحظة يدرك فيها المشاهد أن خالد يمكنه أن يكون سيد قراره واختياره دون فرض أو سيطرة.وفي هذه المرحلة أقول أن المخرج لو اكتفى بجعل خالد يستمر في عملية التنظيف وهو يستمع مبتسما الى توبيخ المشرف لكان وقع الفيلم أقوى واشد تاثيرا في النفس لأنه سيبرز حسب رائي ذلك النمط من الاستقرار النفسي الواثق في نفس خالد رغم مايحيط به عوضا عن الخروج من الخشبة ليبين لنا وبشكل مستهلك بصريا احقيته في الاختيار. يمكننا نختار مانحب ومانريد فكرا وأن نترجمه في فعل بسيط تفصيلي كابتسامة واثقة مثلا عوضا عن الخاتمة المبالغ فيها نوعا ما والتي ساقها المخرج الينا في تتمة عمله الجميل.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

أتحمل مسؤلية ما اضعه هنا