الثلاثاء، 9 يونيو 2015

القصة , من التماهي الى الكيان (1)

رؤية سينمائية
هيثم سليمان
سيناريست سينمائي وتلفزيوني






يقول خبير الدراسات السينمائية والمدرس في كلية السوربون,  الفرنسي جان بول توروك " كل ٌ منا قادر على اختراع قصة. فإما أن يرويها شفويا واما أن يتركها نائمة فوق الورق , وهو ما لا يقتضي سوى توافر الخيال وليس بالضرورة كفاءات تقنية خاصة بكتابة السيناريو .لكن أغلب المبتدئين يواجهون صعوبة في خلق القصة وتأليفها حتى العثور على مضمون تخيلي في قصة أدبية أو درامية  لنقله الى الشاشة ". انطلاقا من هذا القول ومن الظروف الفنية والأدبية المحيطة بخلق القصة لتجهيزها كقالب يسمح بتداولها في هيئة سيناريو سينمائي , نجد أن كاتب السيناريو المبتدئ يستعجل نوعا ما وفي أغلب الأحيان اتمام حيثيات القصة الكاملة الجاهزة لذلك التداول فيقفز من مرحلة التكوين الى مرحلة التجهيز دون أن يكرس الكثير من الوقت والجهد في الجلوس مع قصته واكتشاف مكامن القوة والضعف فيها.

دعونا نتخيل القصة بكتلة من الصلصال اللدن. لنفترض أن الحياة هي قالب الصلصال الكبير الذي لا يتخذ شكلا معروفا أو محددا. هذا القالب مليء بملايين القصص والتي بدورها تشكل كيانا غير معرف في منظومة الحياة الاجتماعية لكثرة العناصر التي تدخل فيه من مختلف الثقافات والشعوب. انه من الجهل والاجحاف بمكان أن نقول أن العالم أصبح مجتمعا واحدا أو قرية صغيرة  حيث أن المزج الثقافي والسلوكي والمعرفي لمئات الشعوب التي يفرقها أكثر مما يجمعها – خصوصا في تضاربات العالم المعاصر وتوجهاته-  , هو مزيج غير محدد شكلا ولا مضمونا وانما كتلة واحدة من المختلف والغير مستقر. حسنا , لنكمل الربط بين هذا وذاك , سنقول أن كتلة الصلصال الكبيرة هي القالب المليء بالقصص المختلفة أو مسوغات بداية قصص على الأقل. يأتي كاتب السيناريو ليقتطع جزءا من هذا القالب الضخم .هذا الجزء هو احدى القصص التي قام بخلق بدايتها بناءا على عامل سببي أو مسوغ غامض قفز الى ذهنه واسترعى حواسه للانتباه له من أجل تقديمه في قالب فني قصصي. في هذه المرحلة ينبغي أن يعي كاتب السيناريو الهدف الذي يريد الوصول اليه من تشكيل قالب الصلصال ( القصة) قبل أن يبدأ بلمس القالب نفسه ولا أعني هنا الرسالة التي يود تقديمها من خلال القصة أو من خلال سيناريو الفيلم ككل فيما بعد. فمن الممكن جدا أن يختلف الهدف كل الاختلاف عن الرسالة التي يود الكاتب تقديمها. ولن ابالغ ان قلت أن أهدافنا ككتاب – شخصية كانت أم لا – قد تكون بمثابة القطب السالب لرسالة ذات قطب موجب في العمل الفني الذي نكتب. ويمكن ان يحدد الكاتب  ذلك الهدف في ورقة خارجية كمسودة يضع عليها بعضا من نواتج العصف الذهني المتعلق بتلك القصة في ذلك القالب. حيث يسطر الهدف الرئيسي من رغبته في تشكيل أو تداول القصة ويضع أسفله أهدافا أخرى فرعية ترتبط غالبا بأفكار مكتوبة ترتبط مباشرة بالمسوغ الذي في عقل الكاتب لتشكيل أو كتابة القصة. لنعتبرها عملية هندسية بحتة يخطط فيها الكاتب ويتخيل ويرسم هدفه من ايجاد تشكيل قصصي معين.

وبعد أن تجتمع العوامل المؤدية لوجود ذلك الهدف, يصبح الطريق الى بداية واضحة لتشكيل قالب الصلصال اياه أكثر منهجية ودقة حيث أن يدي الكاتب تكون متهيئة - على الأقل – لبدء أولى محاولات التشكيل التي لاشك أنها مشوبة بالتشويه في بعض جوانبها. هذه المرحلة سنتحدث عنها في المقال القادم بأذنه تعالى.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

أتحمل مسؤلية ما اضعه هنا