الثلاثاء، 9 يونيو 2015

سينما الممنوع في عُمان

رؤية سينمائية
هيثم سليمان
سيناريست سينمائي وتلفزيوني






عبر التأريخ وفي خضم كثرة التوجهات الاجتماعية المختلفة اصبح وجود الممنوع في حياتنا تحصيل حاصل. ولطالما عانى الفن عبر تأريخه الطويل من دواخل وخوارج الممنوع ولم تكن السينما كفن سابع في منأى عن هذا القالب القديم الجديد. وأنه من المثير للاهتمام أن هنالك علاقة تزايد بمزايدة بين المخزون الاجتماعي الحضاري لأي مجتمع وبين وجود المحاذير والممنوعات في باقي أنشطة الفن في ذلك المجتمع. ولنأخذ السلطنة مثالا لكي لا نشطح بعيدا عن الواقع الذي يتنفسه ويتعاطى جرعاته صناع الفن السينمائي لدينا.

لطالما كان المجتمع العماني وعبر الأزمنة السحيقة وحتى وقتنا الحاضر هو ذلك المجتمع المعتد بأصالته وعراقة أرثه الحضاري حيث توجد ثوابت ورواسخ مستنبطة اما من الدين أو من العرف تطغى بهيمنة واضحة على طريقة التعاطي مع الفن السابع في السلطنة. والمتأمل في مسيرة السينما العمانية القصيرة سيلاحظ وبكل سهولة غلبة نمط التمسك بالهوية والاصالة واحياء الموروث في الأغلبية الساحقة من الأعمال السينمائية المنتجة الى اليوم. ان التركيز على علاقة الانسان بالأرض وبالمجتمع من حوله في اطار من تمجيد أرث الاباء والأمهات لهو منهج اضحى وسما يطبع على نتاجاتنا السينمائية. هل هنالك رغبة في التجديد والخروج من هذا النسق المكرر؟ أجل هنالك رغبة لكنها تصطدم مجددا ودائما بعنوان موضوعنا " الممنوع".

لأن القيادات العليا في الفن والانشطة المرتبطة به ترى أن بث روح التجديد – التي تخالف نهج الهوية وتمجيد الموروث- في نتاجات السينما العمانية بمثابة تفشي وباء غير حميد يجب أن يستأصل. بل ويتعدى الأمر أن تصبح هذه الروح مدعاة للسخرية والضحك على اعتبار انها خارج القالب بعيدا عن صفحات الموسوعة المقننة بمحاذير لا تشمل الدين والجنس والسياسة فقط بل ابعد من ذلك بكثير.


ان أزمة الممنوع في السينما العمانية ليست اشكالية ثالوث محرم مثلما يظن الكثير من صناع السينما وانما هي اشكالية تقوقع ثقافي عرفي محاط بحماية اصحاب القرار ومن المؤسف أنه يلاقي جرعات اعلامية لتكثيفه لدى الجمهور المتلقي وكذا صناع الأفلام الى جانب جرعات الهجوم والنقد بين الفينة والفينة.

الأعمال السينمائية التي تأتي بالجديد والتي تود التحليق خارج سرب الاصالة والهوية والموروث يتم الحكم عليها تحت طائلة الممنوع في محكمة غامضة بعد أن تلقى من التهكم والهجوم مالا يطيق اصحابها وينفرهم من الاشتغال في الحقل السينمائي مستقبلا. اضحت محاولات الجيل الحالي لبث بعض الهواء المنعش في سماء الاستهلاك المتكرر لثيمة الفن السابع العماني في حكم الاعدام محاطة بسريالية من الممنوعات والمحظورات الطويلة العريضة. ولست هنا أطالب بتقليد نهج السينما الغربية تحت مظلة التجديد, أبدا. هنالك عشرات الطرق التي يمكننا فيها أن نجدد من أعمالنا بعيدا عن الدشداشة والخرابة والمزرعة والفلج مثلما يمكن أن تكون بعيدة عن التقليد الفاشل للأعمال الغربية شكلا ومضمونا. أن ننادي بالتجديد لا يعني أبدا أن ننادي بالتقليد. نحن نعي تماما أننا بحاجة الى سينما الانسان التي تظهر هذا الانسان وصراعه مع مجتمعه من حوله لكننا نعي ايضا اننا بحاجة الى انسان السينما كهدف لنتاجاتنا .ولكي نصل الى هذا الانسان ينبغي أن نقدم له ما يتوق اليه لا ما نرغب في تلقيمه اياه قصرا في وقت هو يعرفه بل متشربٌ به حتى أخر خصلة في شعره.

سينما الممنوع في عمان أصبحت ومنذ زمن الشغل الشاغل في جدالات المشتغلين بالسينما وان كان ثمة نتاجات هنا وهناك ضربت الممنوع عرض الحائط ولاقت النجاح فهي قد اقتنصت ذلك النجاح خارج حدود الوطن بلا شك.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

أتحمل مسؤلية ما اضعه هنا