رؤية سينمائية
هيثم سليمان
سيناريست سينمائي
وتلفزيوني
خلال هذا المقال والذي يليه سأتطرق وبشكل مختصر الى موضوع تسخير كاتب
السيناريو - سواء كان عمانيا أم لا-
لسلطنة عمان كتواجد وحضارة في نصوصه السينمائية. سيكون القسم الأول من هذا
الموضوع منصبا في عنصر كامن مستفيض يكاد يستحيل انفصاله عن السلطنة ذات التاريخ
العريق ألا وهو الارث. يُعرف الارث في اللغة بأنه انتقال الشيء من شخص الى أخر أو
من قوم الى قوم .ويقسم الى ثلاثة اقسام وهم المورِث , وهو المصدر الذي أتى منه
الشيء الذي سيورث , الوارث وهو الانسان أو القوم الذين سيرثون الشيء وأخيرا
المورَث وهو الشيء الذي سينتقل أو سيورث للغير.
واذا أتينا لمطابقة ما ذكر على محتوى موضوعنا اليوم, سنجد أن المورِث هم
الإباء والأجداد العمانيون الذي يورِثُون ما لديهم من تقاليد وأعراف وعلوم الى
الوارِث الذي هو بطبيعة الحال الانسان العماني الذي يأتي بعدهم جيلا بعد جيل. اذن
الارث العُماني هو نمط حضارة تنتقل فيه المعرفة والسلوك المجتمعي شأنه شأن أي ارث
في العالم على مدى تأريخ البشرية الطويل حيث أن الارث ما هو الا عبارة عن مشروعٍ
حضاري قومي طويل الأمد يستمر لقرون وقرون. ولكن, ولأن سلطنة عمان تنصف عالميا ضمن
المشاريع الحضارية الانسانية الموغلة في القدم , يأتي أرثها مغايرا وبشكل جذري عمن
سواها من الأقاليم في العالم وحتى عن تلك المشاريع الحضارية المجاورة له جغرافيا.
مكونات وعناصر الارث العُماني لطالما اتسمت بالتفرد والتمكن عبر مسيرته
العريقة. نجد القلعة والفلج , اللبان والسعف ,الكتاب والفكر ,الزي والسلوك وغيرها
من العناصر الذي كونت الجسد الحضاري للإرث العُماني. وحينما نقول أن الفيلم السينمائي
يمكن أن يعرف وبشكل أساسي على أنه استوديو يتجسد فيه انسان وزمان ومكان وجمادات
اذن نحن نعي تماما أن كل هذه المكونات تتداخل وبشكل منطقي ومباشر مع ما يتواجد مع
هذا الانسان في هذا الاستوديو. لذلك وباعتقاد وايمان ٍ شديد, لن يجد كاتب
السيناريو قالبا حضاريا جاهزا للتناول والطرح مثلما سيجد في الارث العُماني
واقولها استنادا على شهادة الكثير من المخرجين والكتاب الذين وطئوا أرض السلطنة و
أتيحت لهم الفرصة للتجوال في بعض مكامن هذا الارث واستنشاق عبقه والتغني به لاحقا.
فحينما ترى أيها الكاتب قلعة ً عمانية – بكامل محتواها الحضاري والفني-
ستتبادر الى ذهنك وخيالك الفني الرفيع قصة ما , أطيافُ من حدث وأحاديث جرت في تلك
القلعة. أحدهم يرمي, أحدهم يدافع, أحدهم ينشر علما ما وأحدهم يشيد ويبني. وحينما
تسمح لماء الفلج بمداعبة وجهك وأنت ترتشف بضع قطرات من ماءه العذب لاشك أن هاجس
الفضول سينتابك لتعرف سر هذه الأعجوبة المعمارية الحضارية التي ميزت الانسان
العماني والتي بدورها تشكل محتوىً قصصي جميل لعشرات وعشرات الحكايات. وبينما تقعد
هناك بجوار شجرة لبان مع أحد السكان المحليين بعيدا عن غوغاء ونزعات التمدن وصخب
المستحدث ستدرك تماما بأن هنالك حكايات ما خبئها الزمن لأوانها تنتظر المبدع الذي
سيخرجها الى النور لتحكي ماذا هناك ولماذا هناك ومع من هناك .
وما
هذه الامثلة الثلاثة الا نزرُ يسير جدا من ارث ضخم جدا يقبع بانتظار من ينهل من
بحره ليوثقه الى العالم عبر الفن السابع الذي يُعد أجمل وافضل وسيلة لتوثيق
حاضرتنا كبشر. أحيي وبشدة الكاتب الذي يحرص على أن ينقل ارث الوطن بشكل مشرف أصيل
به سمة التجديد كفن وكتداول.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
أتحمل مسؤلية ما اضعه هنا