رؤية سينمائية
هيثم سليمان
سيناريست سينمائي
وتلفزيوني
نواصل مسيرتنا الحثيثة مع نماذج من السينما العمانية الشابة.هذه المرة
سنخرج قليلا من نطاق التعرفة العمانية الثابتة في الانتاج السينمائي العماني ألا
وهي الهوية لنحلق قليلا الى عوالم فانتازية مع الفيلم القصير "تاجر
الزمن" من اخراج المخرجة الشابة رقية الوضاحي والتي سبق وأن رأينا أعمالا لها
مثل سواد .استطاعت هذه المخرجة الشابة والطموحة وضع بصمة شخصية واضحة في عالم
السينما العمانية والخليجية على حد سواء وفي أوقات متقاربة لاشك أنها تدل على
رغبتها في التطلع للأجمل والأفضل.
فيلم تاجر الزمن هو فيلم قصير من فئة الدراما الفانتازية يقع في حوالي اثنى
عشر دقيقة وقد تم تصويره في ليلة واحدة.ماجذبني في الفيلم – بشكل محايد- هو الفكرة
الجديدة عالميا. المقايضة بالزمن للحصول الغالي المرغوب المستحيل.هذه الفكرة لم
يسبق لنا وأن رأيناها في السينما العالمية بالتالي تشفع – اي الفكرة- بلا شك لكاتب
السيناريو هيثم سليمان ومخرجته كونهما أول من حولا هذه الفكرة الى مادة سينمائية نشاهدها جميعا
وهذا مايضيف الى السينما العمانية على كل الحال الشيء الجميل.
يحكي فيلم تاجر الزمن قصة رجل عجوز في اواخر الستينات يسكن في بيت بعيد عن
زحمة البشر والعمران ويقوم بتجارة غريبة وسادية نوعا ما.حيث وفي منتصف كل ليلة
يقوم بمقايضة الزمن مع غرباء يطرقون بابه في هذا الوقت للحصول على الزمن مقابل أن
يعطوه أثمن مايملكون في حياتهم.يطرق باب العجوز بالفيلم أربعة اشخاص وهم التاجر
الغني المعتل الصحة والأم التي تملك توأمين مريضين والطفلة التي تبحث عن ذكرى
لأمها المتوفاة واخيرا توأمين شابين خسر أحدهما صفقة العمر.
الجو السوداوي المظلم والبيئة الخانقة للنفس والفكر معا هما أحد العناصر
التي اضافت قوة الى قصة الفيلم نفسه ولو أن هنالك بعضا من جوانب النقص في مواقع
التصوير كان من الممكن أن تجعل من هذا الجو وتلك البيئة افضل بكثير.كما أن اهتمام
المخرجة بالتفاصيل الصغير والدقيقة في مكان الأحداث – بيت تاجر الزمن مثلا – اضاف
الكثير من الايحاءات للقصة وأكد تلك القسوة الغير طبيعية التي في روح تاجر الزمن
الذي فقد اسرته فيما سبق فأضحى يبحث عن الانتقام من بني البشر عن طريق سلب أغلى
مايملكون باستخدام المعجزة الخارقة التي لديه ألا وهي بيع الزمن لمن يريد.
يثير الفيلم أيضا الكثير من النقاط المهمة الانسانية منها بشكل أدق كرغبة
الانسان في الحصول على مايريد مهما كلفه الثمن ليدخل في نطاق الشعور الاجتماعي
النفسي " الطمع".كما يثير ايضا ذلك البعد الانساني المتعلق بمخاوف
الانسان من تصاريف القدر بل ويأسه وقنوطه منها ليصل الى مرحلة يصبح فيها مستعدا
بالتضحية بولده وماله في سبيل اتقاءها وهو من المحال بأية حال.ننساب مع الفيلم من
الوحشية والقسوة المطلقة التي تتجلى في الجريمة التي حدثت في القصة الى حالة الحزن
والفقد التي تعيشها احدى شخصيات الفيلم الى مستوى العفوية والبراءة في حالة الطفلة
التي تشكل الزبون الأخير لتاجر الزمن في تلك الليلة المشؤومة.هذا الانسياب خلق
نوعا من التضارب الذي يوقع المشاهد في حيرة مما يمكن أن يحدث فعلا "
المعقول" وبين المستحيل حدوثه " اللامعقول" في قصة الفيلم لكنه بلا
شك يقع ذمن ذلك النوع من التضارب الذي يجعل المشاهد يطرح العديد من الأسئلة فور
انتهاءه من مشاهدة الفيلم.
برأئي الشخصي, أجادت المخرجة انتقاء الفكرة والطرح لكن لو تم تكثيف المزيد
من العمق على حياة وحركة وتفكير الشخصية الرئيسة بالفيلم " تاجر الزمن"
لكان العمل أفضل وأروع مما هو عليه.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
أتحمل مسؤلية ما اضعه هنا