رؤية سينمائية
هيثم سليمان
سيناريست سينمائي
وتلفزيوني
في خضم وتيرة الحياة المتسارعة التي نعيشها هنالك تقلبات وأحداث متعددة ,
منها الاجتماعي البحت ومنها السياسي ومنها الاقتصادي ومنها الديني البحت أيضا وهلم
جرا. و كلٌ منا يعيش ويرى هذه الأحداث بعينه وفكره. وعندما يضطلع أحدهم بنقل
وترجمة تلك الأحداث الينا جميعا عبر الورق يصبح بذلك رسولا لأدب الورق, الأدب
المقروء.
وكاتب السيناريو أحد هؤلاء الرسل الذين يضطلعون بمد جسر أثيري بين تلك
الأحداث وبين المرئي للجماهير, جسرٌ قوامه الصوت والصورة. حيث تشكل القصة بأحداثها
المختلفة مركز الذرة أو البنية الاساسية لكاتب السيناريو. منها يفهم وينطلق ومنها
يوصل فكرته الى الجمهور المتلقي ومنها تتكشف الرسالة التي يرغب في تقديمها اذا ما كان
من ثمة رسالة ما يتناولها قلمه. فمن القصة يستوحي الكاتب الالهام الذي يحرك فيه
ملكات الابداع. ومن القصة يرسم الكاتب في عقله مخطط الأحداث التي سوف تتواجد على
صفحات نص السيناريو. ومن القصة أيضا يستنبط الكاتب جمالية الصورة التي سوف يقدمها -
اذ أننا وبطبيعة الحال عندما نستمع الى قصة ما أو نقرأ قصة ما مشوقة أو تلامس
واقعا أو دواخلا فينا, نبدأ في رسم صور تخيلية لأحداث تلك القصة- وهذه أحدى أسمى
العطاءات التي تقدمها القصة لكاتب السيناريو, الصورة الجميلة المبدعة التي يتفاعل
معها من يراها.
والقالب القصصي كفن, يساعد كثيرا كاتب السيناريو في الجانب الفني لكتابة
السيناريو. بمعنى أن للقصة بداية ونهاية ( مفتوحة كانت أم لا) وزمانا ومكانا
وشخصيات وحبكة وعقدة وصراع تماما مثلما هو الحال في نص السيناريو. فمن الجميل جدا
أن يكون هذا التقارب الفني بين القصة وبين السيناريو ( القصة الخالية السرد
المكتوبة حوارا وصورة وحركة ) عاملا مساعدا وبطريقة مباشرة في انجاز السيناريو
السينمائي .
القصة هي الطفل الصغير الذي ينشأ في رحم السيناريو. علاقة انسجام وتوافق
فكلاهما يكمل الأخر. وكلما كانت القصة قوية المعنى عميقة التأثير كلما كان
السيناريو قوي الصورة عميق الحوار شيق المشاهد.
ومن هذا المنطلق, وجب على كاتب السيناريو الحرص كل الحرص في انتقاء القصة
التي يود الكتابة عنها. هي مصدر الهامه ولاحقا ألهام من سيرى فيلمه على الشاشة لذا
وجب أن ينتقي الأفضل والاقرب ملامسة للمشاهد الانسان. ويأتي شكل مصدر القصص في
قالب رواية أو حكاية شعبيه تتناقلها الألسن أو خبرا أو قصة في مجلة أو صحيفة أو
حتى خبرا مدويا يتناقله الانسان تمكث خلفه قصة ملهمة واعدة الى جانب أشكال أخرى من
القصص ومنها الموسيقى. أجل الموسيقى التي تخلق لنا قصصا وأحداثا في أذهاننا ونحن
نستمع اليها ولقد سبق وأن تحدثت عن التأثير الموسيقي في خلق القصص في مقال سابق من
هذ العمود. وهنالك شكل أخر يعتمد على وجود عمل سينمائي أخر يوحي بقصة ما مغايرة
تصلح لإعادة انتاجها سينمائيا
وهذا
الحرص في انتقاء القصة مصدر السيناريو يعتمد كثيرا على ذائقة وفكر الكاتب نفسه
ومدى تحسسه لواقع المجتمع ورغبته في الطرح الجيد لهذا الواقع. وكلما كان كاتب
السيناريو مثقفا قارئا متابعا ومنوعا في فكره وأساليب اكتسابه للمعرفة, كلما كان
انتقاءه أجمل وأكثر حرصا. اذن هي معادلة أخذ وعطاء. لكي تحصل على الجيد يجب أن
تتعب وتبحث عن الجيد. وما الافلام المؤثرة والرائعة التي نشاهدها بين الفينة
والأخرى الا نتاج لانتقاء قصصي جميل أو خلق قصصي مبدع جديد ايضا ساهم فيه كاتب جيد
ومنتج جيد ومخرج جيد اضافة الى فريق عمل جيد بطبيعة الحال
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
أتحمل مسؤلية ما اضعه هنا