عن الخلود, قوة اللقطة الثابتة وحتمية الجدل بين الإيمان
والعلم
هيثم سليمان
مدونة سكريبت كت السينمائية
في ساعة وثمانية عشر دقيقة وبواقع واحد وثلاثون مشهدا بأسلوب اللقطة الثابتة يتخللها
تعليق صوتي منتقى بعناية ليعزز ما ترينا إياه اللقطات, يأخذنا المخرج السويدي روي
أندرسون عبر فيلمه المستقل ( عن الخلود)
إنتاج 2019 والذي ترشح لجائزة الأسد الذهبي لمهرجان فينيسا السينمائي الدولي وفاز
بجائزة الأسد الفضي عن فئة أفضل أخراج بذات المهرجان .
في فيلم أندرسون نرى الصورة الساكنة عبر مجموعة
لقطات ثابتة لا تشعرك بوجود الكاميرا أساسا وكأن الفيلم يتنقل من حياة إلى أخرى
دون توقف وبتمهل شديد. في هذه اللقطات التي تبدأ أغلبها بالسكون الذي يوقعك في فخ
بصري يشعرك بأنك تشاهد مجموعة لوحات فنية معاصرة مرسومة بدقة أو صورا فوتوغرافية
غاية في الكمالية تكاد أن تمد يديك لتلامسها. ورغم أن الصورة ميتة سكونا إلا أن
الحياة تدب فيها عبر حركة الشخصيات المدروسة التي تميل إلى الفعل المسرحي المتكرر,
أنت تشاهد صورة بكامل جبروتها تنتظر من شخصية أن تضخ الدماء فيها دون أن تترك أثرا
في جماليتها وعظمتها.
من مشهد الزوجين العجوزين في المنتزه على الشاطيء إلى الشابة التي تنتظر في محطة القطار إلى ساحة المطعم العتيقة قبل وصول الفتيات الراقصات إلى المشهد الأخير المتضمن لرجل يقف على قارعة الطريق لإصلاح عطل في سيارته, تشعر وكأنك تشاهد مجموعة من اللوحات الثابتة التي تحرك بداخلك كل ساكن. الكوادر الغريبة التي تجعلك تعيش بعدين زمنين الماضي والحاضر عبر تأثيث مكونات الموقع وكذلك الملابس. وحينما نتحدث عن الاخراج الفني بالفيلم سنرى حرص إندرسون على تماهي ديكورات الأمكنة بألونها مع ملابس الشخصيات إلا في مشهد أو مشهدين ركز فيهما على شخصيات بعينها والبسها الشاذ عن رومنطقية الأمكنة.
( عن الخلود) فيلم يجعلك تفكر وتتساءل والموسيقى التأبينية المتناغمة
تصاحب أفكارك. وكأن أندرسون في فيلمه يبحث عن الخلود بطريقة أخرى ويتسائل كيف يعثر
البشر على الخلود في حياة فانية مليئة بالمتناقضات والمشاعر التي قد تصل الى حد
التطرف دون أن نرتبكها فعلا.
في مشهد يتبين لعين الفطين المدقق بأنه مرحلة
انتقالية بالفيلم, نرى أخوين أو حبيبن يجلسان في غرفة ذات نافذة شاحبة تطل على مكان متحرك بينما الغرفة تغرق في سكون
لا يفقده الحوار الفلسفي الدائر بين الشخصيتين سكونه.في هذا المشهد وكأن المخرج ينظر إلى الإيمان بمنظور العلم
ليثير فينا ذلك الجدل الأزلي القديم المرتبط بإرتباط العلم بالإيمان, الثابت
بالمتحول والمتحول بالثابت. بل ويدخل المخرج بشجاعة في عمق تلك الرابطة ويدخل شخصية
الإنسان المتشكك بإيمانه الذي يلجأ إلى العلم ليداوي ضعفه وقتل شكوكه ( في الحوار
الذي دار بين القسيس والطبيب النفسي في العيادة " ماذا نفعل حين نفقد
إيماننا؟ ليأتيه الرد : نعتذر سوف نغلق العيادة الأن"). هذا الإيمان الذي يمر
مروا معقدا ومؤلما بين الحرب والسلم, الخذلان والأمل, القسوة والأجحاف.بل ويتعدى
ذلك إلى سيرالية الغيب وكيف يمكن أن يتماهي كيان لاملموس كالإيمان في عوالم غيبية
كالموت مثلا.في هذا الفيلم , يريك المخرج
القدر متضمنا في قانون حفظ الطاقة الفيزيائي. القدر طاقة لا تفنى ولا تستحدث من
العدم بل تتحول من شكل إلى أخر. ويرمز هنا ربما إلى اقدر شخصياته في جميع المشاهد
الواحد وثلاثين التي تتناوب عليها أقدر مختلفة لكنها لا تردخل خانة الفناء وإنما
تتشكل بتشكل الموقف والمكان عبر الزمن.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
أتحمل مسؤلية ما اضعه هنا