فيلم تارينتينو التاسع
القصة والقصة الموازية
انطباع عن فيلم
ONCE UPONT A TIME IN HOLLYWOOD
هيثم سليمان
@haitham.sulaiman
Scriptcut.blogspot.com
الفيلم التاسع للمخرج الداهية الذي كسر قوانين صناعة الأفلام والسرد القصصي في هوليود, فيلم ونس اوبن تايم ان هوليوود للمخرج كونيتن تارينتينو. هل هو أفضل فيلم لتارنتينو حتى الأن ؟ (لا).. هل هو فيلم يستحق المشاهدة ؟ (نعم)... وتقييمي له 8.1/10 ... ولنبدأ ببعض المعلومات المهمة عن الفيلم :
النوع : دراما – كوميديا
سنة الإنتاج : 2019
ترتيب الفيلم من بين أفلام كوينتن تارينتنيو : الفيلم التاسع
انتاج : كولمبيا بيكتشرز واخرون
نوعية الانتاج : مشترك , الولايات المتحدة والمملكة المتحدة
توزيع: شركة سوني
سيناريو واخراج : كوينتن تارينتينو
بطولة : ليوناردو ديكابريو , براد بيت , مارغوت روبي , الباتشنيو
الراوي : النجم كرت راسيل
زمان ومكان القصة : نهاية الحقبة الذهبية لهوليود 1969- لونس انجلوس
تاريخ الاصدار : 21 مايو مهرجان كان , 26 يوليو امريكا, 14 أغسطس بريطانيا والعالم
الميزانية : 96 مليون دولار
العائدات (حتى الأن): 113 مليون دولار
مقدمة لابد منها..
حسنا, هذا الفيلم وبما أنه الفيلم قبل الأخير حسب الاقاويل التي رافقت تارنتينو ومشوار انتاجه السينمائي ككاتب ومخرج يفترض أن يكون فيلما لا يضاهى ويجب أن يكون فيه المخرج أكثر حذرا فيما يصنع, في هذه الفترة على الاقل لا سيما بوجود مخرجين عمالقة منافسين يتابعهم تارنتينو بنفسه أمثال سبيلبيرغ و نولان , كل واسلوبه ومدرسته الخاصة وبلا شك فإن اسلوب تارنتنيو الملقب بالويسترن سباجيتي هو مدرسة وفن خاص بذاته لطالما احتوى على ثلاثة عناصر ذهبية في كل فيلم اشتغل عليه المخرج تقريبا ( العنف والدموية , تبيان العنصرية , كسر المتعارف عليه قصصيا) ولقد راينا ذلك في افلام كثيرة مثل خيال رخيص 1994- كلاب المستودع 1992-أوغاد غير مشهورون 2009-اقتل بيل 2003 وصولا الى البغضاء الثمانية 2015) . كنت شخصيا في ترقب لصدور الفيلم منذ قرأت عن بدء كتابة تارينتنيو للسيناريو وما صاحب ذلك من من ضجة إعلامية وتكهنات لا سيما بعد أن تأكد خبر رغبة المخرج في توثيق قصة جرائم عائلة مانسون سينمائيا... ولكن قبل البدء في تقشير لب الفيلم, ما هو موضوع القصة والقصة الموازية في هذا الفيلم الجديد بالذات ؟؟
تحذير : نصيحة لأي مشاهد في طريقه لمشاهدة هذا الفيلم , لا تذهب وأنت لم تقرأ أو لم تبحث عن القصة الحقيقة لجرائم عشيرة تشارلز مانسون والا سوف تكره الفيلم وربما ستخرج من القاعة في الربع الثالث منه.
القصة الأولى ( الحقيقية):
فور اعلان كونيتن تارنتينو أنه بصدد كتابة سيناريو مبني على قصة جرائم عائلة مانسون الشهيرة أواخر الستينات بالتحديد في الفترة من 1967 الى 1969 ظن الجميع أن جميع أركان الأحداث بالفيلم سوف تتمحور حول هذه القصة. عائلة تشارز مانسون هي عشيرة من جماعة يطلق عليها الهيبي وهم مجموعات من المواطنين الهجين الذين انتهجوا اسلوب حياة مختلف عما كانت عليه امريكا في الستينات.جماعات من الطبقة المتوسطة في المجتمع ترتدي ما هب ودب بتقليعات غريبة وتتعاطى المخدرات وتحتقر السلطة وتؤمن بمفاهيم غيبيه مختلفة وتقر السلام الداخلي للإنسان على حد زعمها. ودون أن اثقلكم بتاريخ هذه العشائر, يكفينا أن نعلم الحدث الأهم فقط وهو أن بعض من أعضاء عائلة مانسون وهم تيكس واتسون , سوزان اتكنز, ليندا كازبيان, باتريشا كرينوينكل قاموا بعملية اقتحام لمنزل عائلة المخرج البولندي اليهودي الأصل رومان بولنسكي وقاموا بقتل زوجته الممثلة الشهيرة شارون تيت واربعة أخرون من اصدقائه وبمنتهى الوحشية والعنف بالتحديد في التاسع من اغسطس 1969. ولمن لا يعرف رومان بولنسكي, هذا الرجل أحد رواد السينما في حقبة الستينات , امتداد العصر الذهبي لهوليود بمجموعة أفلام من اخراجه ( سكين في الماء 1962- الحي الصيني 1974 – ماكبث 1971) حصدت الكثير من الجوائز من بينها افلام نافست على الاوسكار بالرغم من تاريخ المخرج الاجرامي نوعا في التحرش بالقاصرات وهربه من أمريكا الى فرنسا ( ما يزال حيا يرزق).
اذن هذه هي القصة الرئيسة بالفيلم والتي ينبغي أن نعرفها قبل التفكير في مشاهدته. ماذا عن القصة الموازية ؟
القصة الثانية : (القصة الخيالية)
حيث وأن تارنتينو مشهور بإعادة صياغة التاريخ حسب مفهومه الخاص واسلوبه الخاص, لن نفاجأ بقيامه بخلق قصة أخرى يكسر فيها الأحداث قصصيا ويغير فيها من الوقائع مثلما شاهدناه يقلب انتصار هتلر على اليهود ليحوله الى هزيمة في فيلمه أوغاد غير مشهورون. إلا أن التحدي الأكبر في هذا الفيلم الجديد هو ثبات الناحية التوثيقية لجرائم عائلة مانسون وكذلك قرب الوقائع من عصرنا الحالي بالتالي كان على تارنتينو أن يتخذ طريقا أخر ويلعب لعبته التي يجيدها حتما كونه أحد امهر كتاب السيناريو في العالم . كانت الطريقة ببساطة هي خلق قصة أخرى تمشي جنبا الى جنب دون تماس مع القصة الحقيقة.
في هذه القصة الخيالية يضع الكاتب المخرج بين يدينا ممثلا يوشك نجمه على الأفول وهو ريك دالتون(يقوم بدوره ليناردو ديكابريو) حيث يندب حظه في سقوط اسمه في اواخر الستينات بعد ما كان أحد اشهر النجوم في الخمسينات عبر سلسلة عمل تلفزيوني لرعاة البقر باسم قانون صائد المكافات . يرافق رحلة ريك القلقة بديله منفذ المخاطر كليف بوث (يقوم بدوره براد ببيت) حيث يقضي الصديقان أغلب وقتهما بين المنزل والشرب والتمثيل في عدة أعمال أخرها حسب قصة الفيلم , الدبور الأخظر الذي يظهر فيه بطل الفنون القتالية بروس لي تماشيا مع بدء عرض مسلسل تلفزيوني شهير أخر يشارك فيه ريك دالتون بمسمى أف بي أي . وسط تذمر ريك دالتون من انتهاء مسيرته المهنية كممثل يظهر لنا المخضرم ال باتشينو بدور عميل وساطة انتاج يقوم بنصح ريك دالتون للعمل في عدة أعمال في ايطاليا لكسر رتابة الادوار البطولية التي يؤديها وكذلك لانقاذ مسيرته المهنية. جنبا الى جنب ومع سير الاحداث الى النهاية عبر ثلاثة خطوط درامية مكونة من خط ريك وخط كليف وخط شارون ( التي تقوم بدورها مارغوت روبي) نستكشف ان منزل ريك يقع مباشرة بجانب عائلة رومان بولسنكي المغدور بها ( زوجته واصدقائه الاربعه) ومنها نعرف أن حلم ريك الابرز في فترة خوفه من فقدان مسيرته هو الالتقاء بعائلة رومان والجلوس معها عله يكسب منها تجديدا لمسيرته الفنية.
كيف أبدع الكاتب بين القصتين؟
قمة في الابهار وشدة في الحرص ما فعله تارنتينو حينما خلق قصة موازية لقصة حقيقة وجعل احداث القصتين تمشيان جنبا الى جنب وتلتقيان في عدة مشاهد دون أن تلمس أحدهما الاخرى وتؤثر بها. بينما نرى قصة ريك دالتون وبحثه المحموم هو وصديقه لانقاذ مسيرته الفنية ؟ نرى في الجانب الأخر مدمجة واقعية وتوثيقية لجوانب من حياة القتيلة الممثلة شارون. تارنتينو وعبر هذا النص المحكم قصصيا يقول لنا وبكل بساطة , سانقل الجريمة الحقيقة الى سور المنزل الحقيقي دون ان تطرق الجريمة باب المنزل بالفعل.
رصيد الفيلم فنيا :
يحسب للفيلم اختيار تراينتينو الذكي والمعهود للقطات لا سيما لقطات الاقدام النسائية المعتادة في اسلوب الاخراجي وكذلك اللقطات الخلفية للشخصيات من داخل السيارة مع اختيار الوان جد مميز وتركيز على كلاسيكية الحقبة الزمنية في انتقاء اللقطات والملابس والاماكن. لقد احضر المخرج هولييود الستين الى اعيننا بكل تفاصيلها مع الحرص على الانتقاء الممتع للموسيقى والاغاني وهيمنة عصر الراديو وشطوح جيل الستينات . كل من يشاهد اللقطات في افلام تارينتينو يدرك تماما انه متفرد بها ويستحضر مباشرة اسلوب الويسترن سباجيتي وكأن الصورة هي خليط من المعكرونة والماء النظيف ووحشية الكلاسيكية باحساس الزمان والمكان. لا تفوتوا المشهد الذي يقوم فيه ليوناردو ديكابريو باعادة مشهل تمثيلي داخل فيلم الدبور الاخظر, لنركز على حركة الكاميرا والحوار.
نقاط ضعف الفيلم :
قلتها سابقا ان هذا الفيلم هو فيلم رائع , يستحق الاوسكار؟ نعم يستحق لاسيما في خضم الافلام المترهلة التي شهدها عام 2019 ..ولكن هنالك بعض نقاط الضعف التي لم تعجبني ولم تجلعني اصرخ بداخلي, لقد فعلها تارينتينو مجددا.. أول هذه النقاط هو السرد القصصي في الفيلم.. هنالك كمية سرد لا دعي لها بحق والمصيبة الكبرى أنها ترافقت مع مشاهد طويلة لم يكن لها داع بل وتكاد تصيبك بالممل, لنركز على المشاهد التي يظهر فيها براد بيت. ونقطة الضعف الثانية هي عدم ظهور اسلوب تارنتينو في مثلثه الذهبي بكثافه الذي اعشقه شخصيا..( العنف الدموي, العنصرية, كسر الاحداث).. لم نرى في هذا الفيلم دموية وعنفا كبيرا اللهم في نهاية الفيلم وبشكل لم يكن مرض نوعا ما. لم نرى العنصرية حاضرة بقوة ما عدا أن تارينتينو نقل عنصرية الزنوج من افلامه ( ديجانجو بلا اغلال, البغضاء الثمانية, خيال رخيص) الى عنصرية أخرى وهي العنصرية ضد عشائر الهيبي مكنها الحوارات التي قالها ليوناردو وبراد بيت بين الفينة والفينة ( ع قولة اخواننا الكويتين قطات). وأخيرا لم اشاهد ذلك الكسر الذي تعودنا عليه في افلام مثل خيال رخيص والبغضاء الثمانية و اوغاد غير مشهورون.. هذه الخلطة المعروفة لكونيتن تارنتينو لم تكن موجودة وقد يعزى السبب الى كون هذا الفيلم الجديد مختلف ويتبع استراتيجية بصرية وقصصية مختلفة لكنه افقدني طعم اللذة في افلامه.
الخلطة كلها على بعضها ( خلاصة الابهار):
اصفها لكم في شكل نقاط ختامية
*اثبت تارنتينو مرة اخرى انه احد اسياد كتابة السيناريو حيث قدم لنا تكنيك القصة داخل القصة وبشكل متوازي
*كسر تارنتينو قواعد مسيرة هوليود الحديثة في تبجيل وتعظيم وتقديم افلام الابطال الخارقين وعاد ليقولها في وجه هوليود ( رسالة حب ساخرة مثلما يقول) ان الابطال عرضة للموت والفناء, ليس هنالك تمجيد للابطال لا في الحياة ولا في السينما كذلك. وراينا رسالة المخرح المبطنة في حوارات الشخصيات تارة بين ليوناردو.
*كسر تارنتينو قاعدة الممثل الملتزم بالنص وقواعد التمثيل. وذلك عبر مشهد جلوس ليوناردو ديكابريو بالقرب من طفلة ممثلة تخبره بما يجب على الممثل ان يفعله لينجح .ثم يخبرنا تارنتينو وفي نفس المشهد فلسفته الخاصة في الممثل الناجح الحقيقي.
*كسر تارنتينو مجددا تاريخ سجل الابطال الخارقين في الاعمال الهوليودية امثال افلام الفنون القتالية للنجم بروس لي , حيث جعل بروس لي وبكل بساطة يهزم ويهز عرشه امام ممثل بديل ( براد بيت)
*دمج المخرج بين اهمية حقبة نهاية الستين وبداية السبعين ( احتضار هوليود وبداية عصر الافلام التجارية وافلام الابطال الخارقين) وبين هوس وقلق الممثلين الكبار في نوستالجيا حزينة مرهفة نشعر فيها بروح الفقد لدى ترانتينو على جيل ذهب ولم يعد وفترة اتسمت بالغرائبيات.
*لمن يركز في اخر الفيلم , حقق مشهد اللقاء بين شارون( التي بقيت حية خلافا عن القصة الحقيقة) وبين ريك دالتون(ليوناردو) قمة العاطفية والشاعرية بالفيلم حيث بين لنا المخرج عبر قصته المدمجة كيف ان الانسان الذي يسعى لهدفه ويتعب لاجله سيحققه في النهاية. هذا المشهد بالذات اثار عاطفتي كثيرا لاسيما ان الموسيقى المصاحبة كانت رائعة بحق.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
أتحمل مسؤلية ما اضعه هنا