السبت، 30 نوفمبر 2024

الزمن والإنسان بلسان بضعة أمتار من المكان "أحدهم نسي كاميرته لعدة قرون هنا"

 




الزمن والإنسان بلسان بضعة أمتار من المكان

"أحدهم نسي كاميرته لعدة قرون هنا"

 

مدخل : مشهد نهاري خارجي لدليل سياحي يقود فوجا من السياح لمشاهدة معلم أثري(مكان) ويحدثهم عنه يبدون في غاية الإبهار والدهشة والتركيز. لنقلب الآية الأن ولنسأل سؤالا واحدا فقط, ماذا لو تحدث المكان عن ما مر به دون حاجة إلى وسيط فانٍ كالبشر, وأعني بالمكان هنا الأرض, تلك المخلوقة التي حكُم عليها أن تشهد مأسي وطمع وسحر البشر وكذلك روعته.

عبر هذا المدخل الذي يدور كحلقة مفرغة في وجدانك وأنت تشاهد الفيلم الرائع   Here

إخراج وسيناريو الأمريكي روبرت زيميكس الذي أتحف أنظار البشرية بالفيلم الأيقوني فوريست غامب بطولة النجم توم هانكس. وعندما نتحدث عن التوافقية بين ذاك كممثل وذا كمخرج ها هما مجددا يجودان لنا بفيلم رائع وبأبسط فكرة ممكنة وبأكبر قدر من العمق تتسع له مساحة السرد البصري والتلقي.

يحكي هذا الفيلم وبلسان بضعة أمتار من مكان ما على وجه الأرض قصص أجيال وأجيال من البشر عبر منظور اللقطة الواسعة لردهة منزل وكيف إنتقلت هذه المساحة منذ عصر الديناصورات وحتى يومنا هذا إلى مكان يضم أطنانا مليارية من المشاعر والأفكار والتجارب وبطبيعة الحال تقادم الزمن. إن هذه الفكرة وبالرغم من بساطتها لكنها تتسم بعمق الطرح وفجائية الوقوع على النفس .لنا أن نتخيل أن شبرا على هذه الأرض وعبر ألاف السنين ؟,كم حكاية في جعبته ليرويها وكم كائنا حيا مر عليه وحفر فيه ذكرى ما. يكاد هول الفكرة يتسق مع بساطتها اللامتناهية. وكأن الحال بالفيلم يقول لك يتغير كل شيء من حولي وأنا الثابت المطلق.

نغوص في رحلة هذا الفيلم بين الماضي والحاضر لنشهد حقبا من تأريخ الأرض قبل تأريخ الأمريكان أنفسهم ونفتح تباعا أقفالا في ذاكرة المواطن الأمريكي والعائلة الأمريكية وما قبلها العائلة البريطانية المستعمرة والإنسان القديم وتفاعلهم مع بعضة أمتار من المكان بينما يهرول الزمن تارة ويلتقط أنفاسه تارة أخرى متمهلا في عرض الفواجع أتراحا وقيم السعادة أفراحا.

 

سبق وأن تحدثت عن قوة اللقطة الثابتة في أفلام المخرج السويدي روي أندرسون على وجه الخصوص فيلم (عن الخلود) إنتاج 2019 والذي ترشح لجائزة الأسد الذهبي لهرجان فينيسيا السينمائي وفاز بها عن فئة الإخراج. في فيلمنا الذي نتحدث عنه تتضح سطوة وقوة اللقطة الثابتة في حكي ما يقارب 100 دقيقة من الأحداث وعدة قرون من الزمن من زاوية واحدة وكأن أحدهم نسي  عبثا الكاميرا الخاصة على حامل ترايبود لبضعة قرون في تلكم الأمتار البسيطة.

هذا الفيلم يتسفز فيك الكثير من الأفكار والمشاعر - وجعلني منجذبا له كثيرا هو نمط دراما أفلام التسعينيات التي صاحبناها نحن أبناء جيل الثمانينات بكل ما تحمله من كلاسيكية شاعرية وقوى أداء الممثل وحنين إلى دراما الصورة البعيدة عن التكلف وسطوة التقنية الحديثة المبالغ فيها- حيث يجعلك تفكر في قيمة الإنسان مقابل الأرض(المكان) ومقابل الزمن وكيف هي ثقافته ووعيه وأنماط تفكيره و مزاجاته تتغير من زمن إلى أخر. لنا أن نعتبر هذا الفيلم توثيقية بصرية لتاريخ مجموعات من البشر تراوحوا على بضعة أمتار من الأرض تملكا أو عبورا.

وحينما نتغاضى عن بعض الهنات في السيناريو ونستوعب استحالة عدم تسارع الأحداث المربك أحيانا في القبض على جميع فواصل تلك القصص التي قدمها الفيلم سندرك أن الفيلم يشكل فرجة بصرية ماتعة مغلفة بالتساؤلات ومحركة للمشاعر في عدة منعطفات من أحداث الفيلم لا سيما تلك الخاصة بالفقد والرحيل وكأن المكان بجبروته يقول لك عبر تلك الصور , أنا مازلت هنا باقٍ وأنتم راحلون لامحالة.

 

كما أن الفيلم يعيد إلى الأذهان تجربة المخرج مارتن سكورسيزي الأخيرة ( الرجل الإيرلندي ) إنتاج 2019 حينما استخدم تقنية الذكاء الصناعي والسي جي أي لإعادة ملامح الشباب للمثلين في فيلمه كروبرت دينيرو ومن معه. في هذا الفيلم أعادنا زيميكس إلى تلك الإمكانية المعجزة – وأقول أنها معجزة لأنها كذلك فعلا – في أن ترى توم هانكس شابا يافعا ثم أربعينيا ثم ستينيا خلال 100 دقيقة من عمر الزمن وكذلك زوجته الممثلة روبن رايت. هل سبق وتساءلت يوما عن ماهية الشعور وأنت ترى نفسك شبابا في سن الستين مثلا ؟

 

ختاما, هذا الفيلم هو أحد أفضل الأفلام التي شاهدتها في العام 2024  كطرح وإخراج وقوة في الفكرة, وسيظل إلى وقتٍ ما يثير تلك التساؤلات التي لا تنتهي عن الإنسان والزمن والمكان, حكاية المثلث الذي لطالما داعب وجدان المفكرين والشعراء والفلاسفة والعلماء على حدٍ سواء.



هيثم سليمان 

"مخرج وكاتب سينمائي "

مدونة سكريبت كت السينمائية 

30-نوفمبر-2024 

الأربعاء، 11 سبتمبر 2024

بين سردية شخصية وتشضيات مجتمع, سبعة أفلام قصيرة تبحث عن بقعة من الضوء

 

 


بعد دخولي الكامل إلى عالم ٍ مواز ٍ فور ركوبي سيارة النقل التي قطعت طريقها من مطار صلالة إلى مكان إقامتي للمشاركة في مهرجان ظفار السينمائي الدولي بنسخته العذراء, كان ثمة خطب من ذهن ليلى يجوس خلال ديار نفسي حول ما يمكن أن تحمله عروض فلمية بالربع الأخير من العام الإستثنائي 2024  دون توجس من بوح قيس للقصص التي يمكن أن تحملها هذه العروض, لا سيما وأنا الذي عاصرت مجبرا أو من طوع وقتي الفاني عدة مهرجانات محلية, ربما طمعاً في نقلة نوعية في ذائقة المشاهدة.

في فيلم السويدي (روي أندرسن) , " عن الخلود -2019 " شاهدنا الصورة الساكنة عبر مجموعة من اللقطات التي تبدو مغرية حد الثمالة بالإستكانة ولكن ومع تقدم الأحداث تتوغل بك حواف تلك الصور نحو فخ بصري يجعلك تشعر بانك تشاهد لوحات مختلفة, قياسا عليه هذا ما شعرت به وحضرني أسرا وأنا أشاهد سبعة أفلام دولية شدت إنتباهي  تقاسمت قسعة الروائي والوثائقي في حصة العروض. وإليكم ما وصلني من شعورٍ وأترك الفهم لمتشدقي فلسفة التمنطق بالمنطق.

 

أولا: الفيلم التجريبي ( وليس الروائي ) كليك, المغرب :

09:07 دقيقة

حيث أن هذا الفيلم إتسم بخصوصية الفرع الفلمي الطلائعي بنسبةٍ عالية, رجحت بتواضع أنه من المجحف أن نضعه ضمن خانة الأفلام الروائية , فالفيلم يحمل خواصا فلزية لفيلم تجريبي من كثافة رمزية ولا سردية مركزية ممعنا في التشبث بهيمنة الأصوات خلال مشاهده المتوسطة والقصيرة الطول.

وما أستفزني حقا هو الملخص الوصفي للفيلم ( البلوت ) حيث بدأ لي أن صانعه سعيد النظام قد مارس نوعا من الإجحاف القيصري لمساحة الفضاء الموضوعي لفيلمي وأكتفى بحصره في فضاء شبكات التواصل الإجتماعي بالرغم أن هنالك أفكارا ومواضيع عملاقة حد الهول يمكن أن تشعر بها وتقرأها وأنت تشاهد الفيلم.

بكوادر ثابتة مميزة تحركت فيها الأجسام وبحركة كاميرا تارة أخرى نذهب في قصة الفتاة الموهوبة التي تحاول أن تعبر عن ذاتها وإبداعها في فضاء يُكرس نظرته الضيقة للهامش دون الإبداع الحقيقي بل ويضيق على الأخير الخناق أكثر مما تحتمل كأبة الصورة.أعجبني جدا توزيع الأجسام بالفيلم والإسقاط الفذ للجنائني (عامل الحديقة) الذي بالكاد يجعلك تتناسى وجوده وكأن المخرج يقول لك , هل فهمت ما أعني الأن ؟

 

ثانيا : فيلم قصة صالح , السعودية :

15:16 دقيقة – روائي

يأخذك زكي عبدالله عبر فيلم المساحات المليمترية الضيقة في إحدى المجموعات القصصة الواقعية التي تحكي مبدا ألإنسان اللعنة والهِبة أو كما أطر دانتي في الكوميديا الإلهية بين الفردوس والجحيم, حيث نرى الزمن وفضاء الإمكانات المجتمعية يصبان جام غضبهما على البطل ويدفعانه نحو هاوية نيتشه ولا أبالغ هنا.وأنت تشاهد هذا الفيلم مأسورا باللغة السينمائية فيه وألوانه المتاخمة لحكي القصة بصريا , تشعر بذلك الإختناق الحقيقي الذي يفقع جنبات مرارتك وتذهب في جميع فصول ما قبل النهاية وأنت تقول كما قال غوزيه ساراماغو " لا شيء يُبشر بشييء ".

لا أدري لماذا اقتطفت ذاكرتي الصورية مشهدا مشابها من فيلم أصغر فرهادي (إنفصال) وأنا أشاهد طريقة إعتناء البطل بأبيه وأذهلتني التفاصيل الدقيقة التي تناثرت هنا وهناك بإنتظام غير مدروس لتضيف جمالية واقعية للأحداث وتعمق الشعور بالقصة.لم يكن برأي الشخصي  الإشتغال على الإضاءة الداخلية والخارجية للمشاهد  كافيا وكان في حينه من الممكن أن يضيف الكثير للفيلم.

في رحلة بطل الفيلم هنالك صراعُ أسود في الموازنة بين الحرية والواجب ( ولنقل الدين),جل هذا الصراع لم يكن المجتمع المحيط قادرا على إستيعابه وفهمه .بين رغبات البطل البسيطة الكثيرة ومن بينها   توفير صحن الإلتقاط الفضائي (الدش)  ليحظى والده بشاهدة ماتعة (وهي رغبةُ سامية سلوكا وفكرا ) إلى رغبته في الحصول على أنصاف ٍ ما من المجتمع المحيط (يُحاذقه المجتمع المؤسساتي المتعلم الذي من المفترض أن يكون بمثابة القدوة ) يتشظى بطلنا الصغير لينجرف نحو الهاوية وبشكلٍ فجائي صادم كلنا كنا نعي ونفهم ما أوصله إليه لكنه جا صادما بالنهاية وربما بأبشع وسيلة ممكنة , الحرق. ويبقى السؤال هنا , هل كان الأب يستحق ما أحاق به ؟ هل حمل البطل صكا يخوله لإرتكاب الجرم حسب معطيات الأحداث ؟ هل جاء الخلاص مكيافيلا بحتا من منطلق الغاية تبرر الوسيلة يا ترى ؟ ولنسال أنفسنا هل يؤهلنا الضغط المجتمعي والمادي للإنفجار اللاواعي ؟ و أجزم أن زكي عبدالله سيخوض تجارب ومشاوير ماتعة بصريا وهو يقدم لنا هكذا أفلام مستقبلا تسحرك التفاصيل فيها وتصدمك نهاياتها.

وفي اخر نفس ٍ لي والفيلم يسدل أستاره , همست لنفسي وقلت " ليت هذا الفيلم كان فيلما طويلا ".

 

ثالثا :فيلم  أزمة قلبية , سوريا

15:34 دقيقة - روائي

(مكان في الزمن-2023 ) نواف الجناحي , ربما أخذني فيلم ازمة قلبية إلى الفيلم الأنف الذكر حيث يبدو لك ومن الوهلة الأولى تباعا بأن قيمة الحدث بالفيلم قوامها السكون والهدوء الذي غالبا ما يصاحب منزل عجوز وحيدة .يأخذنا عمرو علي مخرج الفيلم في تفاصيل متنوعة في يوم من حياة الأم العجوز مع إحساسٍ عال بالعناصر الفنية كالإضاءة واللقطات التي تمت خياطتها بدقة في رتق كل ومضة عين تشاهدها.

كان من الكارثي بمكان لو كسر مخرج الفيلم الرتابة الشهية والناعمة لتسلسل الأحداث دون موسيقى ولكن ولله الحمد جاء كامل الفيلم دون موسيقى فعلا ليفتح بابا أخر من لذة حس المشاهدة وتعميق عيشنا للقصة ثم المصيبة التي كانت تجلس  على كرسي العجوز المنكوبة.

اسقاطات إنسانية جمة حول قيم الأسرة والجيرة والرحمة والامبالاة يطرحها الفيلم أمامنا بشكل مباشر وغير مباشر ليجعلك تكره العجوز في بداية الفيلم ثم تحبها بشدة في نهايته.في هذا الفيلم ستشتم رائحة الأطباق التي لم يأكلها أحد طُبخت له, وتفتقد الأنس العائلي الذي لم يجلس على طاولة الطعام وتشعر بألم قطتي البناية وهما يموءان بحزان تناديان العجوز بعد رحيلها وتغوص في كأبة المنظر وأنت تستمع لطرق باب مندوب التوصيل وإتصال الإبن المتكرر.

في هذا الفيلم الذي أعجبني جدا وأعتبره أفضل فيلم روائي قصير عُرض في المهرجان , يخبرنا عمرو من بين حواف النسيان الطبيء المتهمل في جنائزية موغلة بالحزن والتبسم مستحضرين مقولة محمود درويش الخالدة " وتُنسى وكأنك لم تكن ".



رابعا : فيلم ترانزيت , العراق

16:08 دقيقة - روائي

حسنا , كان هذا الفيلم محيرا, لا في الفهم وإنما في المسافة الفاصلة التي قد تجعلك تشعر بالملل من تكرار الحدث ونمط الموقع الواحد والشخصية الواحدة الحضورية لكنك سرعان ما تتخطى الملل لتستوعب وتشعر  وتعذر مخرج الفيلم باقر الربيعي ما فعله وخلقه من عالم كئيب خانق داخل مساحة ضيقة من الموت والرجاء.

في حقيقة الأمر, صنُاع الأفلام العراقيين بارعون جدا في سينما المأساة القائمة على الجنائزيات والمخلفات النفسية للحروب فلا غرابة أن ترى فيلما متمكنا في إذكاء مشاهد تؤكد هذه الحقيقة. لقد شهدت كما كبيرا من الأفلام العراقية القصيرة التي تتناول الحرب والمقاومة والإرهاب لحد يجعلني أؤمن بأن التمكن هذا هو قيمة مضافة لكنها مسوغة مدفوعة بواقع هم يعرفونه جيدا وتوفر فضاء الإمكانات من مواقع تصوير وغيره.

يعقوب الموظف بقسم الإحصاء بالمستشفى يلعب دور الحانوتي الذي لا يدفن الموتى بل يدفن القلوب ويمتلك تلك القدرة العجيبة على إسعاد شخص ما بإطعامه الحقيقة أو الكذبة أو على النقيض تدميره نفسيا بأطعامه العلقم المر (نبأ الوفاة ) .يأخذنا يعقوب عبر عمق الشعور والتعاطي مع المتصلين المتواصلين للمنشأة في رحلة قواما الترقب وكأن من يتصل هم نحن نرغب في سماع خبرٍ سار  وكأن من نسال عنه هو شخصٌ نحب ونخشى أن نفقده.

لقد ساهم اللون والضوء كعناصر فنية باقرا ليخرج لنا بهكذا فيلم يؤطر الحدث ويوسط الشخوص انتقالا عبر ثلاثة فصول قصيرة تنتهي بإكتشاف المأساة الفاجعة.

 

خامسا: فيلم ظفائر تائهة , مصر

13:48 دقيقة – روائي

فيلم للمخرجة دعاء وهبه يأخذك وبشكل مباشر تلقائي لقضية تهميش الإنسان ذو الاقلية او المناطقية الصغرى. لعبت المخرجة على وتر الجانب الإنساني في إخبار الحكاية في سردية تناقلتها فصول متسارعة مختلفة من القصة بحيث يقوم كل فصل على حدث بارز يؤسس لما بعده ليتمكن المشاهد من العبور بالزمن مع أبطال الفيلم من بقي منهم ومن رحل دون أن يصعب علينا ملاحظة طرح الجانب التاريخي للقضية ماضيا وحاضرا.

إتسمت لغة الفيلم بالتلقين المباشر سواء من الحوارات التي جرت على لسان الشخصيات أو من الأداء المتخم بموسيقى حزينة تستفيض وربما في بعض الأحيان تستجدي عاطفة المشاهد. لم يكن هنالك غموض ولا ألغاز في هذا الفيلم فكل شيء واضح تمام اليقين وجميعنا متفقون على النسبوية السلطوية في معاملة أقليات من الشعب وتسييرهم حسبما يشتهي علية القوم.

وإلى جانب كل هذا فالفيلم يطرح تسائلات وجودية مجتمعية هامة تتمخض حول قيم العدالة والمساواة وحق تقرير المصير الذي سُلب غصبا وبهتانا من مريم إحدى الأخوات التي تم بيعها بداعي الفقر دون أن يكون لها حق في قول كلمة "لا ".

إتسم الفيلم بالوعظية المباشرة التي تغيرت في نهاية الفيلم إلى حوار يتسم بالعمق والتبطين بين إحدى الأخوات وخطيبها (أو حبيبها ربما ). هذا الفيلم يجعلك تتساءل حتما, هل الأمل معلقٌ في حزام خاصرة رجل غني او سياسي كبير أو رب عمل ساخط ؟

 

سادسا : فيلم حوض , السعودية

14:48 دقيقة – روائي

هل السمكة سبب في شقاء الحوض أم هو الحوض سببٌ في شقاء السمكة ؟ أول سؤال تبادر إلى ذهني وأنا أشاهد الفيلم الشخصي للمخرجة ريما الماجد والذي يسبر أغوار رحلة علياء ونهمها المحموم في تحويل قصتها إلى فيلم سينمائي.

من المشهد الأول يشدك الفيلم عبر عناصر الفضاء الفنية من إضاءة وميزانسين وتصميم إنتاج ليقودك نحو صراع مشحون بين شخصية مستفزة تكبح الإبداع وحرية التعبير وبين شخصية حالمة ترغب في ممارسة أبسط حقوقها, التعبير ذاته ولكن من خلال قصة ما.

وكأنما كانت علياء هي السمكة التي تسبح في حوض ضيق يمكن أن ينكسر بأي لحظة جراء قسوة الضغط المجتمعي والسحق المستمر للموهبة وملكات الإبداع. وكأن السمكة كانت كنز علياء الخاص الهش الذي تحاول حمايته مهما كلفها الأمر, ولأذهب بعيدا جدا وأقول وكأن السمكة هي جنين عليا الذي سيموت لو خرج من الحوض ( الحلم والأمل )  فتسعى لحمايته من العالم الخارجي إياه.

إتسم الأداء التمثيلي للشخصية الرئيسية بالواقعية مع تحفظي قليلا على واقعية واتقان الأداء التمثيلي لشخصية الأب الذي لم ينقعني كما أقنعتني الممثلة بدور علياء أو الطفلة التي قامت بنفس الدور إياه وكما أقنعني أيضا جميع مشهد الفصل الدراسي بجميع عناصره الفنية والأدائية.

في هذا الفيلم توجه ريما أسئلة شخصية للوجود والمجتمع عن أحقيتها في التعبير والحلم, وكأنما تسهب في سردية بين الماضي والحاضر . تلك السردية التي تنقل لنا هول التقليد والتبعية المطلقة ( مشهد الفصل وحركة الدمى ) وتزيد من إثخان الجرح حينما يتصل الأمر مباشرة بالعائلة التي لطالما رسمنا في عقلنا اللاواعي مصطلحات شعبوية مرتبطة بها " كالسند والعزوة والمحزم والعون  والتشجيع ".

هذا الفيلم يعطيك نظرة خاصة لما يعتمل في نفسك كفنان يرغب في قول ما لديه وبطريقته الخاصة دون إكتراث لما سيقوله العالم عنه.

شخصيا أتمنى أن تسلك المخرجة مثل هذا المساق في تجارب أكثر ربما طويلة بالمرة القادمة لتزيد من حصتنا في الاستمتاع بالتعبير الشخصي لمشاعر وفكر صانع فيلم.

 

سابعا : فيلم وردة , الأردن

13:32 دقيقة -وثائقي

وأنا أشاهد فيلم (وردة ) للمخرجة رحمة الشماسي إستدعت ذاكرتي  مشاهدا من الفيلم الأوسكاري  (روما) للمخرج الفونسو كوايرن ,2018 بالأبيض والأسود والذي يتحدث عن قيم إنسانية متضمنة في الهجرة والأمل المفقود.

يجرك فيلم وردة دون تردد منك لتعيش قصة عاملة المنزل  (أسانكا) وتشعر بمعانتها في تناقل بين حكي قصتها الخاصة وبين ما تخبرنا به المترجمة من بنات جلدتها.اختارت المخرجة أن تنقل لك قصة واقعية موثقة بالأبيض والأسود مما أفضى بعدا وعمقا عززه اسلوب المخرجة في حكي القصة بصريا وتنقلاتها بين فصول الحكاية دون أن تبعد أصابع حواسك ولو للحظة عن لمس مادة وثائقية خام. هذا الأسلوب الذي ينم عن تمكن المخرجة في فرد عضلاتها الفنية بأريحية تامة ليتناغم هذا الفرد مع حكي القصة .

وإنه من الشجاعة بمكان أن تخرج مثل هذه القصص من مجتمعات محافظة  تحوز فيها المؤسسة التنظيمية التشريعية نصيب الأسد لتأخذ طريقها نحو عين المشاهد, شخصيا أعتبر هذا الفيلم نقطة جيدة جدا في سجل الشفافية الأردني بالتعامل في طرح مثل هذه القصص والقضايا في وقت أصبح فيه المجتمع الغربي حساسا حد إزدواجية المعايير في وصمنا بأوصاف مثل  (تُجار البشر)  متناسين ماضيهم الموغل في القدم في هذه المهنة.

(أسانكا) تحكي قصتها وكذلك المترجمة التي تنقل ألاما ومواجع كلها تدور في غاية محمومة واحدة ألا وهي الهرب من هذا البلد للرجوع إلى مسقط راسها سيرلانكا.وفي أثناء حديث هاتين الشخصيتين بالفيلم, ستشعر بالتناص الحميد بين الموضوع المطروح كمادة خام للفيلم وبين تنقلات اللقطات ومزج تحرير اللقطات بأسلوب المخرج في لوحات فنية رائعة قوامها الضوء والعتمة واللونان الأبيض والأسود وأجزاء من متعلقات (أسانكا) الثبوتية المدنية. بل وتذهب المخرجة لأبعد من ذلك لتربط الفضاء الخارجي للمدن بفضاء داخلي خاص جدا يتمثل بمعاناة العاملة دون أن تفقد تحكمها في إيقاع الفيلم وهيكلة الفيلم.

فيلم جريء , مخرجة متمكنة تطرح قصتها بأسلوب وثائقي حديث يوصلك للمقصود وأنت تبهر بسحر الصورة.

 =================================

هيثم سليمان

كاتب ومخرج سينمائي 

الخامسة صباحا

11/9/2024