هيثم سليمان
سبق وأن تحدثت في مقال سابق عن نقطة التقاء ذائقة صانع الأفلام مع مشاهد الأفلام، وكيف لكل ذائقة منهما أن تختلف جراء العديد من الدواعي والظروف الاجتماعية والثقافية والتعليمية.وأتى اليوم لا أتساءل ولكن بطريقة أخرى حول نفس موضوع الذائقة والتقبل إيّاه. لماذا يتقبل الجمهور العربي أعمال السينما الأجنبية التي تتسم بالغموض وذات حبكة معقدة تحتاج إلى ذكاء وصبر لاكتشاف الحقيقة بينما لايتقبل الأعمال العربية التي تندرج تحت نفس النوع .. هذا الموضوع وددت الحديث عنه منذ فترة طويلة لكنني أحجمت عن التحدث حتى ألامس تجربة ما شخصية، وسواء كنت كاتبا كنت أم مخرجا أو منتجا أم ممثلا فستحتاج إلى جهد جبار لتجعل المشاهد العربي يتقبل عملا فانتازيا لك. حتىوإن كان العمل ذكيا وجديدًا ويحث المشاهد على التفكير ومحاولة التوقّع واستنتاج الأحداث وحتى التداعي وتطور الفكرة. المشاهد العربي بالأحرى في تناقض مع نفسهيطلب من الفن أن يقدم أعمالا واقعيّة تحكي مايعبّر عن المجتمع وهمومه وقضاياه (وهذا حق شرعي له) لكنّه يعود وينتقد ويسخر ممايقدم من هذه الأعمال الواقعيّة ويتهم الفن العربي أنه بلا تجديد ولا يخرج من القالب الواقعي المتكرر. بل ويطالب بأعمال فانتازيّة وعندما تقدم له هذه الأخيرة يبدأ في اتهام الفن العربي بالشطح ويصفه بأنه(فيلم هندي فلا يتقبله ويسخر منه، وفي نفس الوقت لاتوجد لديه مشكلة في مشاهدة عمل أجنبي (هندي أو أجنبي) ويتقبّله ويثني عليه بل ويتعدى مرحلة الثناء والإعجاب إلى مرحلة مقارنة ما شاهده مع عملعربي.
أحيانًا نشعر في وسطنا الفني بأنّ الجمهور لايعرف ماذا يريد من الفن العربي حقاً طالما أنّ ذات الجمهور يصر على إيقاع نفسه بنفسه في دوامة التناقض وعدم تقبل الجديد. المشاهد العربي ودعوني أقول العماني مثلا (حسب رأيي وحسب مارأيت) يريد كل شيء واضح وضوح الشمس وكل شيء متوقعا.ليس لديه وقت أو كلفة للتفكير والتساؤل ومحاولة الاستنتاج أو تشغيل العقل لتحليل الأحداث.ليس لديه الاستعداد لبذل الجهد لك يشاه مثلا فيلما عمانيا غير واضح المعالم من أول مشهد لكن ويا للعجب العجاب لديه الاستعداد ليتابع فيلما أجنبيا يحتوي غموضا في غموض.المشاهد لدينا للأسف (ولا أعمم هنا) يحب أن يلقم الفكرة والحدث تلقيم الملعقة، ويكسل عن محاولة التفكير والتحليل فهو لا يرغب في فلسفة أو حبكة معقدة أو ولوج فني في تقليم أظافر المشهد السينمائي بحرفية ومهنيّة. أكاد أجزم أن مايبحث عنه المشاهد عمومًا هو بطل وبطلة وقصة واضحة بشكل لا غبار عليه تماما والسلام عليكم. ورغم هذا أقول إن ثمة بارقة أمل بدأت تلوح في أجيال اليوم التي يهمها الإبداع أكثر مما يهمها التقليد واستهلاك الأفكار المطروحة فنيا على الساحة. لن يكون مشوار هؤلاء سهلا البتة في ظل التعود أو الاستسلام لقالب السطحية الوضوح الذي بات محيرا ومثيرا للنفور فعلا لكنهم سيجدون تلك الفئة التي نسميها بالنخبة جاهزة للتلقي والتذوق وإعطاء العمل ما يستحق من النقد أو التمحيص إذ ما الهدف من تقديم فن سينمائي لايثير في عقولنا دواعي التفكير والتحليل بالتالي متعة الاكتشاف الذاتي أو خيبة الاستنتاج لنعجب ببراعة الصانع. نحن في زمن أصبح كسل العقول فيه سلعة رائجة رخيصة السعر تسوّق لتقتل فينا مكامن الفهم والإبداع كعرب، لا تزيدوا من دكاكين هذه السلعة أرجوكم.
سيناريست سينمائي وتلفزيوني